طينة آدم» «١» وهذا الكلام صحيح المعنى، لا يعيبه إلّا من لا يعرف مجاز الكلام.
وليس هذا ممّا يطّرد لنا أن نقيسه، وإنّما نقدم على ما أقدموا، ونحجم عمّا أحجموا، وننتهي إلى حيث انتهوا.
ونراهم يسمّون الرجل جملا ولا يسمّونه بعيرا، ولا يسمّون المرأة ناقة؛ ويسمّون الرجل ثورا ولا يسمّون المرأة بقرة، ويسمّون الرجل حمارا ولا يسمون المرأة أتانا؛ ويسمّون المرأة نعجة ولا يسمّونها شاة. وهم لا يضعون نعجة اسما مقطوعا، ولا يجعلون ذلك علامة مثل زيد وعمرو، ويسمّون المرأة عنزا.
١٧٠-[تسمية الإنسان بالعالم الأصغر]
أو ما علمت أنّ الإنسان الذي خلقت السموات والأرض وما بينهما من أجله كما قال عزّ وجلّ: سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ
«٢» إنّما سمّوه العالم الصغير سليل العالم الكبير، لما وجدوا فيه من جمع أشكال ما في العالم الكبير، ووجدنا له الحواسّ الخمس ووجدوا فيه المحسوسات الخمس، ووجدوه يأكل اللّحم والحبّ، ويجمع بين ما تقتاته البهيمة والسبع، ووجدوا فيه صولة الجمل ووثوب الأسد، وغدر الذئب، وروغان الثعلب، وجبن الصّفرد «٣» ، وجمع الذّرّة، وصنعة السّرفة «٤» وجود الدّيك، وإلف الكلب، واهتداء الحمام. وربّما وجدوا فيه ممّا في البهائم والسباع خلقين أو ثلاثة، ولا يبلغ أن يكون جملا بأن يكون فيه اهتداؤه وغيرته، وصولته وحقده، وصبره على حمل الثّقل، ولا يلزم شبه الذئب بقدر ما يتهيّأ فيه من مثل غدره ومكره، واسترواحه وتوحّشه، وشدّة نكره. كما أن الرجل يصيب الرأي الغامض المرّة والمرّتين والثّلاث، ولا يبلغ ذلك المقدار أن يقال له داهية وذو نكراء أو صاحب بزلاء، وكما يخطئ الرجل فيفحش خطاؤه في المرّة والمرّتين والثلاث، فلا يبلغ الأمر به أن يقال له غبيّ وأبله ومنقوص.
وسمّوه العالم الصغير لأنّهم وجدوه يصوّر كلّ شيء بيده، ويحكي كلّ صوت بفمه «٥» . وقالوا: ولأنّ أعضاءه مقسومة على البروج الاثني عشر والنجوم السبعة، وفيه