قالوا: ولولا فاصل ينفصل من عين المستحسن إلى بدن المستحسن، حتّى يكون ذلك الداخل عليه هو الناقض لقواه لما جاز أن يلقى مكروها البتّة. وكيف يلقى المكروه من انساق في حيزه وموضعه، والذي أصابته العين في حيّزه «١» أيضا وموضعه، من غير تماسّ ولا تصادم، ولا فاصل ولا عامل لاقى معمولا فيه. ولا يجوز أن يكون المعتل بعد صحّته يعتلّ من غير معنى بدنه. ولا تنتقض الأخلاط ولا تتزايل إلّا لأمر يعرض، لأنه حينئذ يكون ليس بأولى بالانتقاض من جسم آخر. وإن جاز للصحيح أن يعتلّ من غير حادث، جاز للمعتلّ أن يبرأ من غير حادث. وكذلك القول في الحركة والسكون. وإذا جاز ذلك كان الغائب قياسا على الحاضر الذي لم يدخل عليه شيء من مستحسن له. فإذا كان لا بدّ من معنى قد عمل فيه، فليس لذلك المعنى وجه إلّا أن يكون انفصل إليه شيء عمل فيه. وإلّا فكيف يجوز أن يعتلّ من ذات نفسه، وهو على سلامته وتمام قوّته، ولم يتغيّر ولم يحدث عليه ما يغيّره. فهو وجسم غائب في السّلامة من الأعراض سواء. وهذا جواب المتكلّمين الذين يصدّقون بالعين، ويثبتون الرّؤيا.
٣٤٨-[صفة المتكلمين]
وليس يكون المتكلم جامعا لأقطار الكلام متمكّنا في الصناعة، يصلح للرئاسة، حتّى يكون الذي يحسن من كلام الدّين في وزن الذي يحسن من كلام الفلسفة. والعالم عندنا هو الذي يجمعهما، والصيب هو الذي يجمع بين تحقيق التوحيد وإعطاء الطبائع حقائقها من الأعمال.
ومن زعم أنّ التوحيد لا يصلح إلا بإبطال حقائق الطبائع، فقد حمل عجزه على الكلام في التوحيد. وكذلك إذا زعم أنّ الطبائع لا تصحّ إذا قرنتها بالتوحيد. ومن قال فقد حمل عجزه على الكلام في الطبائع.
وإنّما ييأس منك الملحد إذا لم يدعك التوفّر على التوحيد إلى بخس حقوق الطبائع؛ لأنّ في رفع أعمالها رفع أعيانها. وإذا كانت الأعيان هي الدالّة على الله فرفعت الدّليل، فقد أبطلت المدلول عليه، ولعمري إنّ في الجمع بينهما لبعض الشّدّة.