للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان يأكل منها الراكب والقائم والقاعد فأين كانت تقع مذبّة أبي قحافة من هذا الجبل؟! قال: كان يذبّ عنها ويدور حواليها. فضحكوا منه، فهجر مجلسهم سنة.

٨٣١-[تحقير شأن الذّبابة]

قال: وفي باب تحقير شأن الذبابة وتصغير قدرها، يقول الرسول: «لو كانت الدّنيا تساوي عند الله تعالى جناح ذبابة ما أعطى الكافر منها شيئا» [١] .

٨٣٢-[أعجوبة في ذبان البصرة]

وعندنا بالبصرة في الذبّان أعجوبة، لو كانت بالشّامات أو بمصر لأدخلوها في باب الطّلّسم؛ وذلك أنّ التّمر يكون مصبوبا في بيادر التمر في شقّ البساتين، فلا ترى على شيء منها ذبابة لا في اللّيل، ولا في النّهار، ولا في البردين [٢] ولا في أنصاف النهار، نعم وتكون هناك المعاصر، ولأصحاب المعاصر ظلال، ومن شأن الذّباب الفرار من الشّمس إلى الظّلّ. وإنّما تلك المعاصر بين تمرة ورطبة، ودبس وثجير [٣] ، ثمّ لا تكاد ترى في تلك الظّلال والمعاصر، في انتصاف النهار، ولا في وقت طلب الذّبّان الكنّ، إلّا دون ما تراه في المنزل الموصوف بقلّة الذّبّان.

وهذا شيء يكون موجودا في جميع الشّقّ الذي فيه البساتين. فإن تحوّل شيء من تمر تلك الناحية إلى جميع ما يقابلها في نواحي البصرة، غشيه من الذّبان ما عسى إلّا يكون بأرض الهند أكثر منه وليس بين جزيرة نهر دبيس [٤] ، وبين موضع الذّبان إلّا فيض البصرة، ولا بين ما يكون من ذلك بنهر أذرب وبين موضع الذبّان ممّا يقابله، إلّا سيحان [٥] ، وهو ذلك التمر وتلك المعصرة، ولا تكون تلك المسافة إلّا مائة ذراع أو أزيد شيئا أو أنقص شيئا.

٨٣٣-[نوم عجيب لضروب من الحيوان]

وأعجوبة أخرى، وهي عندي أعجب من كلّ شيء صدّرنا به جملة القول في


[١] أخرجه الترمذي من حديث سهل بن سعد الساعدي برقم ٢٣٢١، والسيوطي في الجامع الصغير برقم ٧٤٨٠، وانظر جامع الأصول ٤/٥١٠.
[٢] البردان: الغداة والعشي، أو الظل والفيء. «القاموس: برد» .
[٣] الثجير: ما عصر من العنب فجرت سلافته وبقيت عصارته، وثفل البسر يخلط بالتمر. «اللسان:
ثجر» .
[٤] نهر دبيس: نهر بالبصرة؛ سمي باسم رجل قصّار كان يقصر عليه الثياب. معجم البلدان ٥/٣٢٠.
[٥] سيحان: نهر بالبصرة كان للبرامكة. معجم البلدان ٣/٢٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>