للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكن أحد أشقى منه. هذا مع سرور العالم بما وهب الله له من السلامة من آفة الشّره، ومن فساد الأخلاط.

وبعد فلا يخلو صاحب الثّروة والصامت الكثير «١» ، الخامل الذكر من أن يكون ممّن يرغب في المركب الفاره، والثوب اللين، والجارية الحسنة، والدار الجيّدة، والمطعم الطيّب، أو يكون ممن لا يرغب في شيء من ذلك. فإن كان لا يرغب في هذا النوع كلّه، ولا يعمل في ماله للدّار الآخرة. ولا يعجب بالأحدوثة الحسنة، ويكون ممن لا تعدو لذّته أن يكون كثير الصامت، فإنّ هذا حمار أو أفسد طبعا من الحمار، وأجهل من الحمار، وقد رضي أن يكون في ماله أسوأ حالا من الوكيل.

وبعد فلا بدّ للمال الكثير من الحراسة الشّديدة، ومن الخوف عليه، فإن أعمل الحراسة له، وتعب في حفظه وحسب الخوف، خرج عليه فضل. فإن هو لم يخف عليه- ولا يكون ذلك في سبيل التوكّل- فهو في طباع الحمار وفي جهله. والذي أوجب له الخمول ليؤدّيه إلى سلامة المال له، قد أعطاه من الجهل ما لا يكون معه إلّا مثل مقدار لذة البهيمة في أكل الخبط «٢» .

وإن هو ابتاع فرّه الدواب، وفرّه الخدم والجواري، واتخذ الدار الجيّدة، والطعام الطيّب والثّوب الليّن وأشباه ذلك، فقد دلّ على ماله. ومن كان كذلك ثمّ ظهرت له ضيعة فاشية، أو تجارة مربحة، يحتمل مثل ذلك الذي يظهر من نفقته. وإلا فإنّه سيوجد في اللّصوص عند أوّل من يقطع عليه، أو مكابرة تكون، أو تعب يؤخذ لأهله المال العظيم.

ولو عنى بقوله الخمول وصحة البدن والمال، فذهب إلى مقدار من المال مقبولا ولكن ما لمن كان ماله لا يجاوز هذا المقدار يتهيّأ الخمول.

٣١٢-[طبقات الخمول]

ولعمري إنّ الخمول ليكون في طبقات كثيرة، قال أبو نخيلة: [من الطويل]

شكرتك إنّ الشّكر حبل من التّقى ... وما كلّ من أقرضته نعمة يقضي «٣»

فأحييت من ذكري وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذكر أنبه من بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>