موجودة غير عاملة لكانت المعرفة كعدمها، وفي القول والعمل ما أوجب النّباهة، وأدنى حالاته أن تخرجه من حدّ الخمول، ومتى أخرجته من حدّ الخمول فقد صار معرّضا لمن يقدر على سلبه.
وكما أنّ المعرفة لا بدّ لها من عمل، ولا بدّ للعمل من أن يكون قولا أو فعلا، والقول لا يكون قولا إلّا وهناك مقول له، والفعل لا يكون فعلا إلّا وهناك مفعول له، وفي ذلك ما أخرج من الخمول وعرف به الفاعل.
وإذا كانت المعرفة هذا عملها في التنبيه على نفسها، فالمال الكثير أحقّ بأنّ عمله الدّلالة على مكانه، والسّعاية على أهله. والمال أحقّ بالنميمة، وأولى بالشكر، وأخدع لصاحبه، بل يكون له أشدّ قهرا، ولحيّه أشدّ فسادا.
وإن كانت معرفته ناقصة فبقدر نقصانها يجهل مواضع اللذة. وإن كانت تامّة فبقدر تمامها ينفى الخمول ويجلب الذّكر.
وبعد فليس يفهم فضيلة السلامة. وحقائق رشد العافية، الذين ليس لهم من المعرفة إلّا الشّدو «١» ، وإلّا خلاق «٢» أوساط الناس. ومتى كان ذلك كذلك، لم يعرف المدخل الذي من أجله يكره ذو المال الشّهرة. ومن عرف ذلك على حقّه وصدقه، لم يدعه فهمه لذلك حتّى يدلّ على فهمه. وعلى أنّه لا يفهم هذا الموضع حتّى يفهم كلّ ما كان في طبقته من العلم. وفي أقلّ من ذلك ما يبين به حاله من حال الخامل.
وشروط الأمانيّ غير شروط جواز الأفعال وإمكان الأمور. وليس شيء ألذّ ولا أسرّ من عزّ الأمر والنهي، ومن الظّفر بالأعداء، ومن عقد المنن في أعناق الرجال، والسّرور بالرّياسة وبثمرة السيادة، لأنّ هذه الأمور هي نصيب الرّوح، وحظّ الذهن، وقسم النّفس «٣» . فأمّا المطعم والمشرب والمنكح والمشمّة، وكلّ ما كان من نصيب الحواسّ، فقد علمنا أن كلّ ما كان أشدّ نهما وأرغب، كان أتمّ لوجدانه الطعم. وذلك قياس على مواقع الطّعم من الجائع، والشراب من العطشان.
ولكنّا إذا ميّلنا بين الفضيلة التي مع السّرور، وبين لذّة الطعام، وما يحدث الشّره له من ألم السهر والالتهاب والقلق وشدّة الكلب، رأينا أنّ صاحبه مفضول غير فاضل. هذا مع ما يسبّ به، ومع حمله له على القبيح، وعلى أنّ نعمته متى زالت لم