للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموتى، ولا نحوّل الأحمق عاقلا، ولا البليد ذكيّا، ولكنّ الطبيعة إذا كان فيها أدنى قبول، فالكتب تشحذ وتفتق، وترهف وتشفي. ومن أراد أن يعلم كلّ شيء، فينبغي لأهله أن يداووه! فإنّ ذلك إنما تصوّر له بشيء اعتراه!! فمن كان دكيّا حافظا فليقصد إلى شيئين، وإلى ثلاثة أشياء، ولا ينزع عن الدرس والمطارحة، ولا يدع أن يمرّ على سمعه وعلى بصره وعلى ذهنه، ما قدر عليه من سائر الأصناف، فيكون عالما بخواصّ. ويكون غير غفل من سائر ما يجري فيه الناس ويخوضون فيه. ومن كان مع الدرس لا يحفظ شيئا، إلّا نسي ما هو أكثر منه، فهو من الحفظ من أفواه الرجال أبعد.

٣٤-[جمع الكتب وفضلها]

وحدّثني موسى بن يحيى قال: ما كان في خزانة كتب يحيى، وفي بيت مدارسه كتاب إلّا وله ثلاث نسخ.

وقال أبو عمرو بن العلاء: ما دخلت على رجل قطّ ولا مررت ببابه، فرأيته ينظر في دفتر وجليسه فارغ اليد، إلّا اعتقدت أنّه أفضل منه وأعقل.

وقال أبو عمرو بن العلاء: قيل لنا يوما: إنّ في دار فلان ناسا قد اجتمعوا على سوءة، وهم جلوس على خميرة لهم، وعندهم طنبور. فتسوّرنا عليهم في جماعة من رجال الحيّ، فإذا فتى جالس في وسط الدار، وأصحابه حوله، وإذا هم بيض اللّحى، وإذا هو يقرأ عليهم دفترا فيه شعر. فقال الذي سعى بهم: السّوءة في ذلك البيت، وإن دخلتموه عثرتم عليها! فقلت: والله لا أكشف فتى أصحابه شيوخ، وفي يده دفتر علم، ولو كان في ثوبه دم يحيى بن زكريّاء!! وأنشد رجل يونس النحويّ: [من البسيط]

استودع العلم قرطاسا فضيّعه ... فبئس مستودع العلم القراطيس «١»

قال، فقال يونس: قاتله الله، ما أشدّ ضنانته بالعلم، وأحسن صيانته له، إنّ علمك من روحك، ومالك من بدنك، فضعه منك بمكان الرّوح، وضع مالك بمكان البدن!! وقيل لابن داحة- وأخرج كتاب أبي الشمقمق، وإذا هو في جلود كوفيّة،

<<  <  ج: ص:  >  >>