وزعمتم أنّ عمر إنّما أمر بقتل الدّيكة حين كره الهراش بها والقمار بها. فلعلّ كلاب المدينة في تلك الأيّام كثر فيها العقور وأكثر أهلها من الهراش بها والقمار فيها. وقد علمتم أنّ ولاة المدينة ربّما دمروا على صاحب الحمام إذا خيف قبله القمار وظنّوا أنه الشّرف «١» . وذكروا عنه الرّمي بالبندق وخديعة أولادهم بالفراخ. فما بالكم لم تخرّجوا للكلاب من التأويل والعذر، مثل الذي خرّجتم للحمام والديكة.
٢٢٦-[المسخ من الحيوان]
ورويتم في الجرّيّ «٢» والضّباب أنهما كانتا أمّتين مسختا. وروى بعضهم في الإربيانة أنّها كانت خيّاطة تسرق السّلوك، وأنّها مسخت وترك عليها بعض خيوطها لتكون علامة لها ودليلا على جنس سرقتها. ورويتم في الفأرة أنّها كانت طحّانة «٣» ، وفي سهيل أنّه كان عشّارا باليمن «٤» وفي الحيّة أنّها كانت في صورة جمل، وأنّ الله تعالى عاقبها حتى لاطها بالأرض، وقسم عقابها على عشرة أقسام، حين احتملت دخول إبليس في جوفها حتّى وسوس إلى آدم من فيها. وقلتم في الوزغة وفي الحكأة «٥» ما قلتم. وزعمتم أنّ الإبل خلقت من أعنان الشياطين «٦» ، وتأوّلتم في ذلك أقبح التأويل. وزعمتم أنّ الكلاب أمّة من الجنّ مسخت. والذئب أحقّ بأن يكون شيطانا من الكلب، لأنّه وحشيّ وصاحب قفار، وبه يضرب المثل في التعدّي، والكلب ألوف وصاحب ديار، وبه يضرب المثل. والذئب ختور غدّار، والكلب وفيّ مناصح. وقد أقام الناس في الدّيار الكلاب مقام السّنانير للفأر. والذئب مضرّة كلّه، والكلب منافعه فاضلة على مضارّه، بل هي غالبة عليها وغامرة لها، وهذه صفة جميع هذه الأشياء النافعة.
والناس لم يطبقوا على اتّخاذها عبثا ولا جهلا، والقضاة والفقهاء والعبّاد والولاة والنّسّاك، الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والمحتسبة وأصحاب التكلّف والتسليم جميعا، لم يطبقوا على ترك النّكير على ما يشاهدونه منها في دور من لا يعصيهم ولا يمتنع عليهم إلّا وقد علموا أنّه قد كان لقتل الكلاب بأعيانها في