المرتاب من المتكلّمين أن يتحلّى برمي الناس بالرّيبة، ويتزيّن بإضافة ما يجد في نفسه إلى خصمه، خوفا من أن يكون قد فطن له، فهو يستر ذلك الداء برمي الناس به.
ونسك الخارجيّ الذي يتحلّى به ويتزيّا بجماله، إظهار استعظام المعاصي، ثم لا يلتفت إلى مجاوزة المقدار وإلى ظلم العباد، ولا يقف على أنّ الله تعالى لا يحبّ أن يظلم أظلم الظّالمين، وأنّ في الحقّ ما وسع الجميع.
ونسك الخراسانيّ أن يحجّ وينام على قفاه، ويعقد الرّياسة، ويتهيّأ للشّهادة، ويبسط لسانه بالحسبة. وقد قالوا: إذا نسك الشّريف تواضع، وإذا نسك الوضيع تكبّر. وتفسيره قريب واضح.
ونسك البنوي والجنديّ طرح الديوان، والزّراية على السّلطان. ونسك دهاقين السّواد ترك شرب المطبوخ. ونسك الخصيّ لزوم طرسوس وإظهار مجاهدة الروم.
ونسك الرافضيّ ترك النبيذ. ونسك البستانيّ ترك سرقة الثّمر. ونسك المغنّي الصّلاة في الجماعة وكثرة التسبيح، والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ونسك اليهوديّ التشدّد في السّبت وإقامته.
والصوفيّ المظهر النّسك من المسلمين، إذا كان فسلا يبغض العمل تطرف وأظهر تحريم المكاسب، وعاد سائلا، وجعل مسألته وسيلة إلى تعظيم الناس له.
وإذا كان النّصرانيّ فسلا نذلا مبغضا للعمل، وترهّب ولبس الصّوف؛ لأنّه واثق أنّه متى لبس وتزيّا بذلك الزّيّ وتحلّى بذلك اللّباس، وأظهر تلك السّيما، أنّه قد وجب على أهل اليسر والثّروة منهم أن يعولوه ويكفوه، ثمّ لا يرضى بأن ربح الكفاية باطلا حتى استطال بالمرتبة.
فإذا رمى المتكلّم المريب أهل البراءة، ظنّ أنّه قد حوّل ريبته إلى خصمه، وحوّل براءة خصمه إليه. وإذا صار كلّ واحد من هذه الأصناف إلى ما ذكرنا، فقد بلغ الأمنيّة، ووقف على النّهاية. فاحذر أن تكون منهم واعلم أنّك قد أشبهتهم في هذا الوجه، وضارعتهم في هذا المذهب.