للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الولد، وجهله بموضع الذّرء، وأنّ الولد لم يجئ منه عن طلب له، ولكن النّطفة البريئة من الأسقام، إذا لاقت الأرحام البريئة من الأسقام حدث النّتاج على الخلقة، وعلى ما سوّيت عليه البنية. وذكر أنّ نزوه على الأتان، من شكل نزوه على العير، وإنّما ذلك على قدر ما يحضره من الشّبق، ثمّ لا يلتفت إلى دبر من قبل، وإلى ما يلقح من مثله ممّا لا يلقح فقال: [من الرجز]

لا مبتغي الضّنء ولا بالعازل

يقول: هو لا يريد الولد ولا يعزل.

والأشياء التي تألف الناس ولا تريد سواهم، ولا تحنّ إلى غيرهم، كالعصفور والخطّاف والكلب والسّنّور. والدّيك لا يألف منزله ولا ربعه ولا ينازع إلى دجاجته ولا طروقته، ولا يحنّ إلى ولده، بل لم يدر قطّ أنّ له ولدا؛ ولو درى لكان على درايته دليل، فإذ قد وجدناه لبيضه وفراريجه الكائنة منه، كما نجده لما لم يلده ولما ليس من شكله ولا يرجع إلى نسبه، فكيف تعرف الأمور إلّا بهذا وشبهه. وهو مع ذلك أبله لا يعرف أهل داره، ومبهوت لا يثبت وجه صاحبه، وهو لم يخلق إلّا عنده وفي ظلّه، وفي طعامه وشرابه، وتحت جناحه.

والكلب على ما فيه يعرف صاحبه، وهو والسّنّور يعرفان أسماءهما، ويألفان موضعهما، وإن طردا رجعا، وإن أجيعا صبرا، وإن أهينا احتملا.

والديك يكون في الدار من لدن كان فرّوجا صغيرا إلى أن صار ديكا كبيرا، وهو إن خرج من باب الدار، أو سقط على حائط من حيطان الجيران. أو على موضع من المواضع، لم يعرف كيف الرّجوع، وإن كان يرى منزله قريبا، وسهل المطلب يسيرا، ولا يذكر ولا يتذكّر، ولا يهتدي ولا يتصوّر له كيف يكون الاهتداء، ولو حنّ لطلب، ولو احتاج لالتمس. ولو كان هذا الخبر في طباعه لظهر، ولكنّها طبيعة بلهاء مستبهمة، طامحة وذاهلة، ثمّ يسفد الدّجاجة ولا يعرفها، هذا مع شدّة حاجته إليهنّ وحرصه على السّفاد، والحاجة تفتق الحيلة، وتدلّ على المعرفة، إلّا ما عليه الديك؛ فإنّه مع حرصه على السّفاد، لا يعرف التي يسفد، ولا يقصد إلى ولد، ولا يحضن بيضا ولا يعطفه رحم، فهو من ها هنا أحمق من الحبارى «١» وأعقّ من الضبّ «٢» .

وقال عثمان بن عفّان رضي الله تعالى عنه: «كلّ شيء يحبّ ولده حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>