للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخل قاسم منزل الخوارزمي النخّاس، فرأى عنده جارية كأنها جانّ، وكأنها خوط بان، وكأنّها جدل عنان، وكأنه الياسمين؛ نعمة وبياضا؛ فقال لها: أشتريك يا جارية؟ فقالت: «افتح كيسك تسرّ نفسك» ودخلت الجارية منزل النخّاس، فاشتراها وهي لا تعلم ومضى إلى المنزل ودفعها الخوارزميّ إلى غلامه، فلم تشعر الجارية إلا وهي معه في جوف بيت، فلما نظرت إليه وعرفت ما وقعت فيه قالت له: ويلك! إنك والله لن تصل إليّ إلا بعد أن أموت! فإن كنت تجسر على نيك من قد أدرجوه في الأكفان فدونك! والله إن زلت منذ رأيتك، ودخلت إلى الجواري، أصف لهنّ قبحك وبليّة امرأتك بك! فأقبل عليها يكلّمها بكلام المتكلمين، فلم تقبل منه، فقال: فلم قلت لي: «افتح كيسك تسرّ نفسك» ؟ وقد فتحت كيسي فدعيني أسرّ نفسي! وهو يكلّمها وعين الجارية إلى الباب، ونفسها في توهّم الطّريق إلى منزل النخّاس. فلم يشعر قاسم حتّى وثبت وثبة إلى الباب كأنّها غزال، ولم يشعر الخوارزمي إلّا والجارية بين يديه مغشيّ عليها. فكرّ قاسم إليه راجعا وقال: ادفعها إليّ أشفي نفسي منها.

فطلبوا إليه فصفح عنها، واشتراها في ذلك المجلس غلام أملح منها، فقامت إليه فقبّلت فاه، وقاسم ينظر، والقوم يتعجّبون ممّا تهيأ له وتهيّأ لها.

وأما عيسى بن مروان كاتب أبي مروان عبد الملك بن أبي حمزة فإنّه كان شديد التغزّل والتّصندل [١] ، حتّى شرب لذلك النبيذ وتظرّف [٢] بتقطيع ثيابه [٣] وتغنّى أصواتا، وحفظ أحاديث من أحاديث العشّاق ومن الأحاديث التي تشتهيها النساء وتفهم معانيها. وكان أقبح خلق الله تعالى أنفا، حتّى كان أقبح من الأخنس، ومن الأفطس، والأجدع، فإمّا أن يكون صادق ظريفة، وإما أن يكون تزوّجها فلما خلا معها في بيت وأرادها على ما يريد الرّجل من المرأة، امتنعت، فوهب لها، ومنّاها، وأظهر تعشقها، وأراغها بكلّ حيلة. فلما لم تجب قال لها: خبّريني، ما الذي يمنعك؟ قالت: قبح أنفك وهو يستقبل عيني وقت الحاجة، فلو كان أنفك في قفاك لكان أهون عليّ! قال لها: جعلت فداك؟ الذي بأنفي ليس هو خلقة وإنّما هو ضربة ضربتها في سبيل الله تعالى. فقالت واستغربت ضحكا: أنا ما أبالي. في سبيل الله كانت أو في سبيل الشّيطان. إنّما بي قبحه. فخذ ثوابك على هذه الضّربة من الله أمّا أنا فلا.


[١] تصندل: تغزل مع النساء.
[٢] تظرف: تكلف الظرف.
[٣] تقطيع الثياب: تقصيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>