للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما الإبل والحمير والبقر، فإن الرياسة لفحل الهجمة [١] ، ولعير العانة [٢] ، ولثور الرّبرب [٣] . وذكورتها لا تتخذ الرّقباء من الذّكورة.

وقد زعم [٤] ناس أن الكراكيّ لا ترى أبدا إلا فرادى فكأن الذي يجمعها الذكر، ولا يجمعها إلا أزواجا.

ولا أدري كيف هذا القول؟! والنحل أيضا تسير بسيرة الإبل والبقر والحمير، لأن الرئيس هو الذي يوردها ويصدرها، وتنهض بنهوضه، وتقع بوقوعه. واليعسوب هو فحلها. فترى كما ترى، سائر الحيوان الذي يتخذ رئيسا إنما هي إناث الأجناس، إلا الناس؛ فإنهم يعلمون أن صلاحهم في اتخاذ أمير وسيّد، ورئيس.

وزعم بعضهم أن رياسة اليعسوب، وفحل الهجمة، والثور، والعير، لأحد أمرين: أحدهما لاقتدار الذّكر على الإناث، والآخر لما في طباع الإناث من حبّ ذكورتها.

ولو لم تتأمّر عليها الفحول لكانت هي لحبّها الفحول تغدو بغدوّها، وتروح برواحها.

قالوا: وكذلك الغرانيق والكراكيّ [٥] . فأما ما ذكروا من رؤساء الإبل والبقر والجواميس والحمير، فما أبعدهم في ذلك عن الصواب.

وأما إلحاقهم الغرانيق والكراكي [٥] بهذه المنزلة فليس على ما قالوا.

وعلى أنّا لا نجد بدّا من أن يعلم أن ذكورتها أقوى على قسر الإناث وجمعها إليها من الإناث.

وعلى أنه لا بد من أن يكون بعض طاعة الإناث لها من جهة ما في طباعها من حبّ ذكورتها.


[١] الهجمة: القطعة الضخمة من الإبل، وقيل: هي ما بين الثلاثين والمائة، وقيل: الهجمة أولها الأربعون إلى ما زادت، وقيل: ما بين السبعين إلى المائة.
[٢] العانة: جماعة حمر الوحش.
[٣] الربرب: القطيع عن بقر الوحش.
[٤] انظر هذا الزعم في ربيع الأبرار ٥/٤٥٣.
[٥] انظر الحاشية الأخيرة في الصفحة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>