للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونجد الرجال إذا اعتراهم ذلك لا يكونون كذلك إلّا في الوقت الذي هم فيه أشدّ غلمة وأفرط شهوة.

فإن قال قائل: إن الإنسان يغشى النّساء في كلّ حال من الفصلين والصّميمين «١» ، وإنما هيج السّباع والبهائم في أيام من السنة ثم يسكن هيج التّيس والجمل. فالإنسان المداوم أحسن حالا.

قلنا: إنّا لم نكن في ذكر المخايرة بين نصيب الإنسان في ذلك مجموعا ومفرّقا، وبين نصيب كلّ جنس من هذه الأجناس مجموعا ومفرّقا، وإنما ذكرنا نفس المخالطة فقط. وما يدريكم أيضا لعلها أن تستوفي في هذه الأيّام اليسيرة أضعاف ما يأتي الإنسان في تلك الأيّام الكثيرة.

وعلى أنّا قد نرى ممّا يعتري الحمار والفرس والبغل وضروبا كثيرة إذا عاينوا الإناث في غير أيام الهيج. وها هنا أصناف تديم ذلك كما يديمه الإنسان، مثل الحمام والدّيكة وغير ذلك.

وقد علمنا أنّ السّنانير وأشباه السنانير لها وقت هيج، ولكنّ ذلك يكون مرارا في السّنة على أشدّ من هيج الإنسان، فليس الأمر على ما يظنّون.

فإن كان الإنسان موضع ذهنه من قلبه أو دماغه يكون أدقّ وأرقّ وأنفذ، وأبصر، فإنّ حواسّ هذه الأشكال أدقّ وأرقّ وأبصر وأنفذ. وإن كان الإنسان يبلغ بالرويّة والتصفّح، والتحصيل والتمثيل ما لا يبلغه شيء من السّباع والبهائم، فإنّ لها أمورا تدركها، وصنعة تحذقها تبلغ منها بالطبائع سهوا وهويّا ما لا يبلغ الإنسان في ما هو بسبيله إلا أن يكره نفسه على التفكير، وعلى إدامة التنقير والتكشيف والمقاييس فهو يستثقله.

ولكلّ شيء ضرب من الفضيلة وشكل من الأمور المحمودة، لينفي تعالى وعز عن الإنسان العجب، ويقبّح عنده البطر، ويعرّفه أقدار القسم.

وسنذكر من فطن البهائم وأحساس الوحش وضروب الطير أمورا تعرفون بها كثرة ما أودعها الله تعالى من المعارف، وسخّر لها من الصنعة، ثم لا نذكر من ذلك في هذا الموضع إلّا كلّ طائر منسوب إلى الموق، وإلّا كلّ بهيمة معروفة بالغثاثة، بعدّة ما فيه أشكالها من المعرفة والفطنة. ولو أردنا الأجناس المعروفة بالمعارف

<<  <  ج: ص:  >  >>