للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا القياس أنّ الصّقر إنّما يواثب الكركيّ لمكان سلاحه دون شجاعة القلب التي يقوى بها الضّعيف، وبخلافها يضعف القويّ.

وسأقرّب ذلك عندك ببعض ما تعرفه، لا نشكّ أنّ الهرّ أقوى من الهرّة في كلّ الحالات، حتى إذا سفدها فحدثت بينهما بغضاء ومطالبة حدثت للهرّة شجاعة وللهرّ ضعف، فصارت الهرّة في هذه الحال أقوى منه، وصار الهرّ أضعف. ولولا أنّه يمعن في الهرب غاية الإمعان ثمّ لحقته، لقطّعته وهو مستخذ.

ومثل ذلك أنّ الجرذ يخصى ويرمى به في أنابير التّجّار «١» وفي الأقرحة «٢» والبيادر، فلا يدع جرذا ضخما قد أعيا الهرّ وابن عرس إلّا قتله، وإن كان أعظم منه وأشدّ.

والخصيّ من كلّ شيء أضعف قوّة من الفحل إلّا الجرذ، فإنه إذا خصي أحدث له الخصاء شجاعة وجراءة، وأحدثت له الشّجاعة قوّة وأحدث علم الجرذان بحال الخصاء لها جبنا، وأحدث الجبن لها ضعفا «٣» .

والرّجل الشّديد الأسر قد يفزع فتنحلّ قواه، ويسترخي عصبه حتّى يضربه الصبيّ. والذّئب القويّ من ذئاب الخمر «٤» يكون معه الذئب الضعيف من ذئاب البراري، فيصيب القويّ خدش يسير، فحين يشمّ ذلك الذئب الضعيف رائحة الدّم وثب عليه، فيعتري ذلك القويّ عند ذلك من الضّعف بمقدار ما يعتري الضعيف من القوّة حتى يأكله كيف شاء.

والأسد الذي يعتريه الضّعف في الماء الغمر حتّى يركب ظهره الصبيّ ثم يقبض على أذنيه فيغطه كيف شاء.

وقد يفعل به ذلك غلمان السّواد وشاطئ الفرات، إذا احتملت المدود الأسد لا تملك من أنفسها شيئا، وهو مع ذلك يشدّ على العسكر حتى يفرقه فرق الشّعر، ويطويه طيّ السّجل؛ ويهارش النمر عامّة يومه لا يقتل أحد هما صاحبه، وإن كان الجمل الهائج باركا أتاه فضرب جنبه ليثني إليه عنقه، كأنه يريد عضّه فيضرب بيساره إلى مشفره فيجذبه جذبة يفصل بها بين دأيات عنقه، وإن ألفاه قائما وثب

<<  <  ج: ص:  >  >>