للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان هدبة هذا من شياطين عذرة، وهذا شعره كما ترى، وقد أمر بضرب عنقه وشدّ خناقه. وقليلا ما ترى مثل هذا الشّعر عند مثل هذه الحال؛ وإنّ امرأ مجتمع القلب، صحيح الفكر، كثير الرين، عضب اللّسان في مثل هذه الحال، لناهيك به مطلقا غير موثق، وادعا غير خائف. ونعوذ بالله من امتحان الأخيار.

وهو القائل في تلك الحال «١» : [من الطويل]

فلا تعذليني لا أرى الدّهر معتبا ... إذا ما مضى يوم ولا اللّوم مرجعا

ولكن أرى أنّ الفتى عرضة الرّدى ... ولاقي المنايا مصعدا ومفرّعا «٢»

وإن التّقى خير المتاع وإنما ... نصيب الفتى من ماله ما تمتّعا

فلا تنكحي إن فرّق الدّهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا

ضروبا للحييه على عظم زوره ... إذا القوم هشّوا للفعال تقنّعا

وأخرى إذا ما زار بيتك زائر ... زيالك يوما كان كالدّهر أجمعا «٣»

سأذكر من نفسي خلائق جمّة ... ومجدا قديما طالما قد ترفّعا

فلم أر مثلي كاويا لدوائه ... ولا قاطعا عرقا سنونا وأخدعا

وما كنت ممن أرّث الشرّ بينهم ... ولا حين جدّ الشّرّ ممّن تخشّعا

وكنت أرى ذا الضّغن ممّن يكيدني ... إذا ما رآني فاتر الطّرف أخشعا

وما قرأت في الشّعر كشعر عبد يغوث بن صلاءة الحارثيّ، وطرفة بن العبد، وهدبة هذا، فإنّ شعرهم في الخوف لا يقصّر عن شعرهم في الأمن «٤» . وهذا قليل جدّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>