فقد أثم» . فهاتوا شيئا من جميع الحيوان يصلح للزرع والضّرع والقنص. وبعد فهل اتخذوا كلب الضّرع إلّا ليحرس الماشية وأولادها من السباع؟ وهل عند الكلب عند طروق الأسد والنمر والذئاب وجميع ما يقتات اللّحمان من رؤساء السباع، إلّا صياحه ونباحه وإنذاره ودلالته، وأن يشغلها بعض الشّغل، ويهجهج بها بعض الهجهجة، إلى أن يلحق بها من يحميها، ويتوافى إليها من يذود عنها، إذ ليس في هذا القياس أنّا متى وجدنا دهرا تكثر فيه اللصوص ويفشو فيه السّرّاق، وتظهر فيه النّقوب، ويشيع فيه التسلّق، ممّن إذا أفضى إلى منزل القوم لم يرض إلا بالحريبة «١» ليس دونها شيء، أو يأتي على الأنفس، وهو لا يصل إلى ما يريد حتى يمرّ على النساء مكشّفات، ومن عسى إذا أخذ المرأة أخذ يد ألّا يرضى أن يتوعّد بذبح الأولاد وأن يتّقى بالمال، حتّى يذبح، ومن عسى إن تمكّن شيئا أو أمن قليلا، أن يركب الحرم بالسّوءة العظمى وبالتي لا شوى لها. فهذا الحال أحقّ بالحراسة من تلك الأحوال.
وبعد فلم صار نساء الحرمين يتزاورن ليلا، ونساء المصرين يتزاورن نهارا، ونساء الحرمين لا يرين نهارا، ونساء المصرين لا يرين ليلا؛ إلّا للمكابرات ولمكان كثرة من يستقفي ويتحوّب للنقب والتسلّق. وإذا كان الأمر كذلك فأيّ الأمور أحقّ بالتحصين والحياطة، وأيّهما أشبه بالتغرير والإضاعة: اتخاذ الكلاب التي لا تنام عند نوم من قد دأب نهاره، أو ترك اتخاذها؟ ويقظة السّرّاق على قدر المسروقين.
وعلى أنّا لو حلنا بين حرس الأسواق وما تشتمل عليه من حرائب الناس، وبين اتّخاذ الكلاب، لامتنعوا من ضمان الحراسة، ولامتنع كلّ محروس من إعطائهم تلك الأجرة، ولوجد اللصوص ذلك من أعظم الغنم وأجود الفرص. أو ما تعلمون أنّ هذا الحريم، وهذه الحرمات وهذه العقائل من الأموال، أحقّ بالمنع والحراسة والدّفع عنها بكلّ حيلة، من حفظ الغنم وحريم الراعي وحرمة الأجير؟! وبعد فإنّ الذئاب لا تجتمع على قطيع واحد، والذي يخاف من الذئب السّلّة والخطفة، والاستلاب والاختلاس. والأموال التي في حوانيت التجار وفي منازل أهل اليسار يأتيها من العدد والعدّة، ومن نجب أصحاب النجدة، من يحتملها بحذافيرها، مع ثقل وزنها وعظم حجمها، ثمّ يجالدون دون ذلك بسيوف الهند وبالأذرع الطوال.
وهم من بين جميع الخليقة لولا أنّهم قد أحسّوا من أنفسهم الجراءة وثبات العزيمة، بما ليس من غيرهم، لكانوا كغيرهم، ولولا أنّ قلوبهم أشدّ من قلوب الأسد لما