فرجمته وأعلمته أنّي قد رأيته، فصبّحني من الغد يقرع الباب عليّ، فقلت له: ما حاجتك؟ وما جاء بك؟ فلقد ظننت أنّك ستركب البحر أو تمضي على وجهك إلى البراري. قال: جعلت فداك، أسألك أن تستر عليّ، ستر الله عليك، وأنا أتوب على يديك! قال: قلت ويلك، فما اشتهيت من كلبة؟! قال: جعلت فداك، كلّ رجل حارس ليس له زوجة ولا نجل، فهو ينيك إناث الكلاب إذ كنّ عظام الأجسام. قال:
فقلت: فما يخاف أن تعضّه؟ قال: لو رام ذلك منها غير الحارس التي هي له وقد باتت معه فأدخلها في كسائه في ليالي البرد والمطر، لما تركته. وعلى أنّه إن أراد أن يوعبه كلّه لم تستقرّ له. قال: ونسيت أن أسأله: فهل تعقد على أيور النّاس كما تعقد على أيور الكلاب؟ فلقيته بعد ثلاثين سنة، فقال: لا أدري لعلّها لا تعقد عليه، لأنّه لا يدخله فيها إلى أصله، لعلّ ذلك أيضا إنّما هو شيء يحدث بين الكلب والكلبة، فإذا اختلفا لم يقع الالتحام. قال: فقلت: فطيّب هو؟ قال: قد نكت عامّة إناث الحيوانات فوجدتهنّ كلّهنّ أطيب من النساء. قلت: وكيف ذلك؟ قال: ما ذاك إلّا لشدّة الحرارة. قال: فطال الحديث حتى أنس فقلت له: فإذا دار الماء في صلبك وقرب الفراغ؟ قال: فربّما التزمت الكلبة وأهويت إلى تقبيلها. ثم قال: أما إنّ الكلاب أطيب شيء أفواها، وأعذب شيء ريقا؛ ولكن لا يمكن أن أنيكها من قدّام، ولو ذهبت أن أنيكها من خلف وثنيت رأسها إلى أن أقبّلها، لم آمن أن تظنّ بي أني أريد غير ذلك فتكدّم فمي ووجهي. قال فقلت: فإنّي أسألك بالذي يستر عليك، هل نزعت عن هذا العمل منذ أعطيتني صفقة يدك بالتّوبة؟ قال: ربّما حننت إلى ذلك فأحتبس بعهدك.
قال: وقلت: وإنّك لتحنّ إليها؟ قال: والله إني لأحنّ إليها، ولقد تزوّجت بعدك امرأتين، ولي منهما رجال ونساء، ومن تعوّد شيئا لم يكد يصبر عنه! قال: فقلت له:
هل تعرف اليوم في الحرّاس من ينيك الكلبات؟ قال: نعم، خذ محمويه الأحمر، وخذ يشجب الحارس، وخذ قفا الشاة، وخذ فارسا الحمّاميّ فإنّ فارسا كان حارسا وكان قيّم حمّام، وكان حلقيّا، فزعم أنّه ناك الكلاب خمسين سنة، وشاخ وهزل وقبح وتشنّج، حتّى كان لا ينيكه أحد. قال: فلم يزل يحتال لكلب عنده حتى ناكه. قال:
وكان معه بخير حتّى قتله اللصوص، ثمّ أشرف على فارس، هذا المحتسب الأحدب، وهو ينيك كلبة فرماه بحجر فدمغه «١» .