للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيت الدّيك النّبطيّ وفيه شبيه بذلك. إلّا إنّ الدّيك أجمل من التّدرج «١» ؛ لمكان الاعتدال والانتصاب والإشراف، وأسلم من العيوب من الطاوس.

وكان يقول: ولو كان الطاوس أحسن من الدّيك النّبطي في تلاوين ريشه فقط لكان فضل الديك عليه بفضل القدّ والخرط، وبفضل حسن الانتصاب وجودة الإشراف أكثر من مقدار فضل حسن ألوانه على ألوان الديك، ولكان السليم من العيوب في العين أجمل لاعتراض تلك الخصال القبيحة على حسن الطاوس في عين الناظر إليه. وأوّل منازل الحمد السلامة من الذّمّ.

وكان يزعم أنّ قول الناس فلان أحسن من الطاوس، وما فلان إلّا طاوس، وأنّ قول الشاعر: [من الرجز]

جلودها مثل طواويس الذّهب «٢»

وأنّهم لمّا سمّوا جيش ابن الأشعث الطواويس لكثرة من كان يجتمع فيه من الفتيان المنعوتين بالجمال، إنما قالوا ذلك لأن العامّة لا تبصر الجمال. ولفرس رائع كريم أحسن من كلّ طاوس في الأرض، وكذلك الرّجل والمرأة. وإنّما ذهبوا من حسنه إلى حسن ريشه فقط، ولم يذهبوا إلى حسن تركيبه وتنصّبه، كحسن البازي وانتصابه، ولم يذهبوا إلى الأعضاء والجوارح وإلى الشّيات والهيئة، والرأس والوجه الذي فيه.

وكان جعفر يقول: لمّا لم يكن في الطاوس إلّا حسنه في ألوانه، ولم يكن فيه من المحاسن ما يزاحم ذلك ويجاذبه وينازعه ويشغل عنه، ذكر وتبيّن وظهر.

وخصال الديك كثيرة، وهي متكافئة في الجمال. ونقول: لم يكن لعبد المطّلب في قريش نظير، وكما أنّه ليس للعرب في النّاس نظير؛ وذلك حين لم تكن فيه خصلة أغلب من أختها، وتكاملت فيه وتساوت، وتوافت إليه فكان الطّبع في وزن المعرفة، فقالوا عند ذلك: سيّد الأبطح وسيّد الوادي وسيّد قريش. وإذا قالوا سيّد قريش فقد قالوا سيّد العرب، وإذا قالوا سيّد العرب فقد قالوا سيّد الناس.

ولو كان مثل الأحنف الذي برع في حلمه وبرع في سائر خصاله لذكروه بالحلم؛ ولذلك ذكر قيس بن زهير في الدّهاء، والحارث بن ظالم في الوفاء، وعتيبة ابن الحارث في النّجدة والثّقافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>