للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديث من العجب أن تكون هذه الحيّة تهتدي لمثل هذه الحيلة.

وفيه جهل الطائر بفرق ما بين الحيوان والعود. وفيه قلة اكتراث الحيّة بالرّمل الذي عاد كالجمر، وصلح أن يكون ملّة [١] وموضعا للخبزة، ثمّ أن يشتمل ذلك الرّمل على ثلث الحيّة ساعات من النّهار، والرمل على هذه الصفة. فهذه أعجوبة من أعاجيب ما في الحيّات.

وزعم لي [٢] رجال من الصّقالبة، خصيان وفحول، أنّ الحيّة في بلادهم تأتي البقرة المحفّلة [٣] فتنطوي على فخذيها وركبتيها إلى عراقيبها، ثمّ تشخص صدرها نحو أخلاف ضرعها، حتى تلتقم الخلف؛ فلا تستطيع البقرة مع قوّتها أن تترمرم [٤] .

فلا تزال تمصّ اللبن، وكلما مصّت استرخت. فإذا كادت تتلف أرسلتها.

وزعموا أن تلك البقرة إمّا أن تموت، إمّا أن يصيبها في ضرعها فساد شديد تعسر مداواته.

والحيّة تعجب باللبن. وإذا وجدت الأفاعي الإناء غير مخمّر كرعت فيه، وربّما مجّت فيه ما صار في جوفها، فيصيب شارب ذلك اللبن أذى ومكروه كثير.

ويقال إنّ اللبن محتضر [٥] . وقد ذهب ناس إلى العمّار، على قولهم إنّ الثوب المعصفر محتضر [٥] . فظنّ كثير من العلماء أنّ المعنى في اللبن إنما رجع إلى الحيّات.

والحيّة تعجب باللّفّاح [٦] والبطّيخ، وبالحرف [٧] ، والخردل المرخوف [٨] ؛ وتكره ريح السذاب [٩] والشّيح، كما تكره الوزغ ريح الزّعفران.


[١] الملّة: الرماد الحار والجمر. (القاموس: ملل) .
[٢] نهاية الأرب ٩/١٣٩.
[٣] المحفلة: الناقة أو البقرة أو الشاة لا يحلبها صاحبها أياما حتى يجتمع لبنها في ضرعها، فإذا احتلبها المشتري وجدها غزيرة فزاد في ثمنها، فإذا حلبها بعد ذلك، وجدها ناقصة اللبن عما حلبه أيام تحفيلها. (اللسان: حفل) .
[٤] تترمرم: تتحرك. (اللسان: رمم) .
[٥] محتضر: تحضره الجن. (اللسان: حضر) .
[٦] اللفاح: نبات يقطيني أصفر شبيه بالباذنجان طيب الرائحة. (اللسان: لفح) .
[٧] الحرف: حب الرشاد. (القاموس: حرف) .
[٨] المرخوف: المسترخي. (القاموس: رخف) .
[٩] السذاب: ضرب من البقول. (القاموس: سذب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>