فقلت للنّصارى بديّا: كيف كان النّاس أيّام الحكم بما في التّوراة أيّام موسى وداود، وهما صاحبا حروب وقتل، وسباء وذبائح؟! نعم حتى كان القربان كله أو عامّته حيوانا مذبوحا، لذلك سمّيتم بيت المذبح.
ولسنا نسألكم عن سيرة النّصارى اليوم، ولكنّا نسألكم عن دين موسى وحكم التّوراة، وحكم صاحب الزّبور. وما زالوا عندكم إلى أن أنكروا ربوبيّة المسيح، على أكثر من حالنا اليوم في الذبائح. وأنتم في كثير من حالاتكم تغلون علينا السّمك، حتى نتوخّى أيّاما بأعيانها، فلا نشتري السّمك إلا فيها؛ طلبا للإمكان والاسترخاص، وهي يوم الخميس، ويوم السّبت، ويوم الثّلاثاء؛ لأنّ شراءكم في ذلك اليوم يقلّ. على أنّكم تكثرون من الذّبائح في أيّام الفصح، وهل تدعون أكل الحيوان إلّا أيّاما معدودة، وساعات معلومة؟!.
فإذا كانت الحرفة والمحن إنّما لزما القصّابين والجزّارين والشّوّائين، وأصناف الصّيّادين، من جهة العقوبة- فأنتم شركاء صيّادي السّمك خاصّة؛ لأنّكم آكل الخلق له، وأنتم أيضا شركاء القصّابين في عامّة الدّهر. فلا أنتم تدينون للإسلام فتعرفوا ما عليكم ولكم، وفصل ما بين الرّحمة والقسوة، وما الرّحمة، وفي أيّ موضع يكون ذلك القتل رحمة؟ فقد أجمعوا على أنّ قتل البعض إحياء للجميع، وأنّ إصلاح النّاس. في إقامة جزاء الحسنة والسيئة. وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ
[١] .
والقود حياة. وهذا شيء تعمل به الأمم كلها، غير الزّنادقة. والزّنادقة لم تكن قطّ أمّة، ولا كان لها ملك ومملكة، ولم تزل بين مقتول وهارب ومنافق. فلا أنتم زنادقة. ولا ينكر لمن كان ذلك مذهبه أن يقول هذا القول.
فأنتم لا دهريّة، ولا زنادقة، ولا مسلمون؛ ولا أنتم راضون بحكم الله أيّام التّوراة.
فإن كان هذا الحكم قد أمر الله به- وهو عدل- فليس بين الزّمانين فرق.
وبعد فإنّا نجدكم تأكلون السّمك أكلا ذريعا، وتتقذرون من اللّحمان! أفلأنّ السّمك لا يألم القتل، أم لأنّ السّمك لمّا قتلتموه بلاسكّين لم يحسّ قتله؟! فالجميع حيوان، وكلّ مقتول يألم، وكلّ يحسّ. فكيف صار أكل اللّحم قسوة، وأكل السّمك ليس بقسوة؟!. وكيف صار ذبح البهائم قسوة ولا تكون تفرقة ما بين