وإن زعم أنه إنما أنكر أن تكون النار كانت في العود، لأنه وجد النار أعظم من العود، ولا يجوز أن يكون الكبير في الصغير، وكذلك الدخان- فليزعم أن الدخان لم يكن في الحطب، وفي الزّيت وفي الزّيت وفي النّفط.
فإن زعم أنهما سواء، وأنه إنما قال بذلك لأن بدن ذلك الحطب لم يكن يسع الذي عاين من بدن النار والدخان، فليس ينبغي لمن أنكر كمونها من هذه الجهة أن يزعم أنّ شرر القدّاحة والحجر لم يكونا كامنين في الحجر والقدّاحة.
وليس ينبغي أن ينكر كمون الدم في الإنسان، وكمون الدّهن في السمسم، وكمون الزيت في الزيتون. ولا ينبغي أن ينكر من ذلك إلا ما لا يكون الجسم يسعه في العين.
فكيف وهم قد أجروا هذا الإنكار في كلّ ما غاب عن حواسّهم من الأجسام المستترة بالأجسام حتى يعود بذلك إلى إبطال الأعراض؟! كنحو حموضة الخلّ، وحلاوة العسل، وعذوبة الماء، ومرارة الصبر.
قال: فإن قاسوا قولهم وزعموا أن الرماد حادث، كما قالوا في النار والدّخان، فقد وجب عليهم أن يقولوا في جميع الأجسام مثل ذلك كالدقيق المخالف للبرّ في لونه، وفي صلابته، وفي مساحته، وفي أمور غير ذلك منه. فقد ينبغي أن يزعم أن الدقيق حادث، وأن البرّ قد بطل.
وإذا زعم ذلك زعم أنّ الزّبد الحادث بعد المخض لم يكن في اللبن، وأنّ جبن اللبن حادث، وقاس ماء الجبن على الجبن. وليس اللبن إلا الجبن والماء.
وإذا زعم أنهما حادثان، وأن اللبن قد بطل، لزمه أن يكون كذلك الفخّار، الذي لم نجده حتى عجنّا التراب اليابس المتهافت على حدته، بالماء الرّطب السيّال على حدته، ثم شويناه بالنار الحارّة الصّعّادة على حدتها. ووجدنا الفخار في العين واللمس والذّوق والشّمّ، وعند النّقر والصّكّ- على خلاف ما وجدنا عليه النار وحدها، والماء وحده، والتّراب وحده؛ فإنّ ذلك الفخار هو تلك الأشياء. والحطب هو تلك الأشياء، إلا أن أحدها من تركيب العباد، والآخر من تركيب الله.
والعبد لا يقلب المركّبات عن جواهرها بتركيبه ما ركب منها.
والحجر متى صكّ بيضة كسرها، وكيف دار الأمر، سواء كانت الرّيح تقلبه أو إنسان.