للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يكون بعضها أسرع من بعض، أو يكون بعضها إذا خرج من عالم الهواء، وصار إلى نهاية، إلى حيث لا منفذ- ألّا يزال فوق الآخر الذي صعد معه، وإن وجد مذهبا لم يقم عليه.

ويدلّ على ذلك أنا نجد الضياء صعّادا، والصوت صعّادا، ونجد الظلام رابدا [١] ، وكذلك البرد والرّطوبة. فإذا صح أن هذه الأجناس مختلفة، فإذا أخذت في جهة، علمنا أن الجهة لا تخالف بين الأجناس ولا توافق، وأن الذي يوافق بينهما ويخالف اختلاف الأعمال.

ولا يكون القطعان متفقين، إلا بأن يكون سرورهما سواء. وإذا صارا إلى الغاية، صار اتصال كل واحد منهما بصاحبه، كاتصال بعضه ببعض. ثم لا يوجد أبدا، إلا إمّا أعلى، وإما أسفل.

قال أبو إسحاق: فيستدل على أن الضياء أخفّ من الحر بزواله. وقد يذهب ضوء الأتّون، وتبقى سخونته.

قال أبو إسحاق: لأمر ما حصر الهواء في جوف هذا الفلك. ولا بد لكل محصور من أن يكون تقلبه وضغطه على قدر شدة الحصار. وكذلك الماء إذا اختنق.

قال: والريح هواء نزل لا غير. فلم قضوا على طبع الهواء في جوهريته باللدونة، والهواء الذي يكون بقرب الشمس، والهواء الذي بينهما على خلاف ذلك؟

ولولا أن قوى البرد غريزية فيه، لما كان مروّحا عن النفوس، ومنفّسا عن جميع الحيوان إذا اختنق في أجوافها البخار والوهج المؤذي، حتى فزعت إليه واستغاثت به، وصارت تجتلب من روحه وبرد نسيمه، في وزن ما خرج من البخار الغليظ، والحرارة المستكنّة.

قال: وقد علموا ما في اليبس من الخصومة والاختلاف. وقد زعم قوم أن اليبس إنما هو عدم البلّة. قالوا: وعلى قدر البلة قد تتحول عليه الأسماء. حتى قال خصومهم: فقولوا أيضا إنما نجد الجسم باردا على قدر قلة الحرّ فيه.

وكذلك قالوا في الكلام: إن الهواء إنما يقع عندنا أنه مظلم لفقدان الضياء،


[١] الرابد: المقيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>