للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عمرو: صدق وبرّ، وتكّلم يا أبا موسى بما تريد فدعاه ابن عباس فقال له:

ويحك أظنّه قد خدعك، إن كنتما اتّفقتما على أمر فقدمه قبلك فليتكلم ثم تكلم أنت فإنه رجل غدار. وكان أبو موسى مغفّلا، فقال: إنّا قد اتفقنا ولا خلاف بيننا. وتكلم أبو موسى فقال - بعد أن حمد الله وأثنى عليه-: إنّا نظرنا في هذا الأمر فلم نر شيئا أصلح من خلع هذين الرجلين ثم تستقبل الأمة أمورها فتكون أمورهم شورى يولون من اختاروا، إني قد اختلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا أموركم وولوا من رأيتم أنتم. وتنحى، وأقبل عمرو فقال: إنّ هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلعه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه وليّ عثمان والطالب بدمه وهو أصلح سياسة وأحزم رأيا من غيره. ويقال إنه قال: إن أبا موسى قد خلع صاحبه وقد خلعته كما خلعت نعلي هذه، وثبّت صاحبي معاوية فقال له أبو موسى:

مالك لا وفقك الله غدرت وفجرت إنما مثلك ﴿كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ (١) فقال عمرو: مثلك ﴿كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً﴾ (٢) وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط، وحمل محمد بن عمرو بن العاص - أو غيره من ولده - على شريح فضربه بسوطه وقام الناس فحجزوا بينهما. وطلب أهل الكوفة أبا موسى فركب راحلته ولحق بمكة.

وقال ابن عباس: قبحا لرأي أبي موسى لقد حذرته وأمرته بالرأي فما عقل ولا قبل. وكان أبو موسى يقول: لقد حذرني ابن عباس غدر الفاسق ولكن اطمأننت إليه.


(١) - سورة الأعراف - الآية:١٧٦.
(٢) - سورة الجمعة - الآية:٥.