للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد أن حل بين حسين وأصحابه وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة، كما صنع بالتقي الزكي المظلوم، فبعث خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ومنعوهم أن يستقوا منه وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام، وناداه عبد الله بن حصن الأزدي: يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا.

فقال الحسين: اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا، فمات بالعطش، كان يشرب حتى يبغر (١) فما يروى فما زال ذاك دأبه حتى لفظ نفسه.

فلما اشتد على الحسين العطش بعث العباس بن علي بن أبي طالب وأمه أم البنين بنت حزام من بني كلاب في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا، وبعث معهم بعشرين قربة فجاؤوا حتى دنوا من الشريعة، واستقدم أمامهم نافع بن هلال المرادي ثم الجملي، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي، وكان على منع الماء: من الرجل؟ قال: نافع بن هلال، قال: ما جاء بك؟ قال: جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأ تمونا (٢) عنه. قال: اشرب هنيئا. قال: أفأشرب والحسين عطشان ومن ترى من أصحابه؟ فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء، إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.

فأمر أصحابه باقتحام الماء ليملاؤا قربهم فثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه، فحمل عليهم العباس ونافع بن هلال فدفعوهم ثم انصرفوا إلى رحالهم وقد ملاؤا قربهم.


(١) - بغر: شرب ولم يرو، فأخذه داء من الشرب. القاموس.
(٢) - حلأ: منع وطرد. القاموس.