لنصحبنك بالقتال غدا، فقال: والله لو أعلم أنهم يفعلوا ما أخّرتهم، فانصرفوا عنه تلك العشية.
وعرض الحسين على أهله ومن معه أن يتفرقوا ويجعلوا الليل جملا، وقال: إنما يطلبونني وقد وجدوني، وما كانت كتب من كتب إليّ فيما أظن إلا مكيدة لي وتقرّبا إلى ابن معاوية بي، فقالوا: قبح الله العيش بعدك.
وقال مسلم بن عوسجة الأسدي: أنخليك ولم نعذر إلى الله فيك في أداء حقك، لا والله حتى أكسر رمحي في صدورهم، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن سلاحي معي لقذفتهم بالحجارة دونك.
وقال له سعيد بن عبد الله الحنفي نحو ذلك، فتكلم أصحابه بشبيه بهذا الكلام، وكان مع الحسين حويّ مولى أبي ذر الغفاري فجعل يعالج سيفه ويصلحه ويقول:
يا دهر أفّ لك من خليل … كم لك بالإشراق والأصيل
من طالب وصاحب قتيل … والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل … وكل حيّ سالك سبيل
ورددها حتى حفظت وسمعتها زينب بنت علي فنهضت إليه تجر ثوبها وهي تقول: وا ثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت فاطمة أمي وعلي أبي والحسن أخي يا خليفة الماضي، وثمال (١) الباقي، فقال الحسين:
يا أخيّة، لا يذهبنّ حلمك الشيطان. قالت: أتغتصب نفسك اغتصابا، ثم لطمت وجهها وشقت جيبها وهو يعزيها ويصبرها، ثم أمر أصحابه أن يقرّبوا بعض بيوتهم من بعض وأن يدخلوا بعض الأطناب في بعض، وأن يقفوا بين
(١) - الثمال: الغياث الذي يقوم بأمر قومه، والملجأ. القاموس.