للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكرماني إعظاما وإجلالا حتى إذا ضبط أمر خراسان وغلب أصحابه ودعاته عليها، ومال الناس إليه من كل أوب، واشتدّ حجابه، وغلظ أمره، واستفحل، بعث رسله إلى نصر بن سيار، وقد آنسه وبسطه وضمن له أن يكف عنه، ويقوم بشأنه عند الامام، وأعلمه أن كتابا أتاه من عند الإمام يعده فيه ويمنّيه ويضمن له الكرامة. وكان رسله لاهز بن قريظ، وسليمان بن كثير، وعمران بن اسماعيل، وداود بن كرّاز، وقال لهم:

أعلموه اني اريد مشافهته وقراءة كتاب الإمام عليه، فلما أتوه تلا لاهز قول الله ﷿: ﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ (١)، فتنبه نصر لما أراد من تحذيره فقال: أنا صائر معكم إلى الأمير أبي مسلم، ودخل بستانا له كأنه يريد أن يلبس ثيابه ثم ركب دابته وهرب إلى الري فمات بقسطانة (٢). وسأل أبو مسلم عن نصر وهل أنذره أحد، فأخبر بتلاوة لاهز الآية، فقال له:

يا لاهز أعصبية في الدين؟! قوما فاضربا عنقه، فضربت عنق لاهز، ويقال إن نصرا سار إلى الري فلما دخلها مرض فحمل إلى ساوة بقرب همذان فمات بها.

ووجّه أبو مسلم إلى ابن الكرماني رسله وقال لهم: ائتوني بابن الكرماني على الحال التي تجدونه عليها، فجاؤوا به فحبسه، وكان أخوه عثمان بناحية هراة فكتب إلى أبي داود في أمره، فقال له أبو داود: إن أبا مسلم كتب إليّ في عبور النهر لأمر ستعرفه، فإذا عدنا خلّيت ما بينك وبين ماوراء النهر وانصرفت إليه، ثم قال: لا يعبرنّ أحد إلا أصحاب عثمان،


(١) - سورة القصص - الآية:٢٨.
(٢) - قرية بينها وبين الري مرحلة في طريق ساوة. معجم البلدان.