أجاب إلى الانصراف وإلاّ فقل له، يقول لك أمير المؤمنين: نفيت من العباس لئن مضيت ولم تلقني لا وكلت أمرك إلى أحد سواي، ولو خضت إليك البحر الأخضر حتى أموت أو أقتلك. فلما قرأ الكتاب عزم على المضيّ لوجهه، فأدّى إليه أبو حميد الرسالة فكسرته وعزم على الانصراف إلى المنصور، وخلّف ثقله بحلوان وعليه مالك بن الهيثم وقال: لئن أمكنني قتله لأقتلنّه ثم لأبايعن من أحببت، وتمثل بعض من معه:
ما للرجال مع القضاء محالة … ذهب القضاء بحيلة الأقوام
وحدثني بعض ولد يقطين بن موسى قال: كان أبو مسلم آنس الناس بيقطين، فلما قدم الكوفة وهو يريد الحج قال له: يا يقطين بلغني أنه نشأ بالكوفة رجل يقال له جحا ظريف مليح، وأن أهلها عملوا بعدنا جوذابة (١) تنسب إلى رجل يكنى أبا جرير، فأطعمني من الجوذابة وأرني جحاكم، فاتّخذت جوذابات وأتي بها مع طعام كثير، فلما تغدى أبو مسلم قال: أرني الآن جحا هذا، فطلب حتى وجد وأتي به يقطين وأبو مسلم وهما في غرفة ليس فيها غيرهما، فأخذ بعضادة الباب ثم قال: يا يقطين، أيكم أبو مسلم؟ فضحك أبو مسلم وكلمه فاستملحه فوهب له خمسة آلاف درهم.
قال: ثم شخص أبو مسلم إلى مكة، وقدم فمضى لمحاربة عبد الله بن علي، فلما هزمه بعث المنصور إليه يقطينا فكلمه بكلام شتم المنصور فيه لأنسه كان بيقطين، فأدّاه يقطين إلى المنصور، فكان أبو مسلم يقول والله لأقتلنّ يقطينا.
(١) - طعام يصنع بسكر وأرز ولحم. ألفاظ الأطعمة والأشربة في كتاب الأغاني لرشيدة اللقاني - ط. الاسكندرية ١٩٩١ ص ٥٣.