للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ولما قدم أبو مسلم على المنصور وهو بالروميّة التي عند المدائن أمر الناس بتلقيّه، وقام إليه فعانقه وأكرمه، وقال: كدت تمضي قبل أن نلتقي فألقي إليك ما أريد، وأمره أن ينصرف إلى منزله فيستريح ويدخل الحمام ليذهب عنه كلال السفر ثم يعود، وجعل يزيده برّا وإعظاما وهو ينتظر الفرصة فيه حتى قتله.

وحدثني أبو مسعود الكوفي قال: لما أراد أبو مسلم الشخوص إلى خراسان عاصيا كتب إلى المنصور: «من عبد الرحمن بن مسلم إلى عبد الله بن محمد، أما بعد فاني اتخذت أخاك إماما، وكان في قرابته برسول الله ومحله من العلم على ما كان، ثم استخفّ بالقرآن وخرقه طمعا في قليل من الدنيا قد نعاه الله لأهله، ومثلت له ضلالته على صورة العدل، فأمرني أن أجرّد السيف، وآخذ بالظنّة، ولا أقبل معذرة وأن اسقّم البريء، وأبرّئ السقيم وآثر أهل الدين في دينهم، وأوطأني في غيركم من أهل بيتكم العشوة بالأفك والعدوان؛ ثم إن الله بحمده ونعمته استنقذني بالتوبة وكرّه إليّ الحوبة، فإن يعف فقديما عرف ذلك منه، وإن يعاقب فبذنوني وما الله بظلام للعبيد».

فكتب إليه المنصور: «قد فهمت كتابك وللمدل على أهله بطاعته ونصيحته ونصرته ومحاماته وجميل بلائه مقال، ولم يرك الله في طاعتنا إلاّ ما تحب، فراجع أحسن نيّتك وعملك ولا يدعونّك ما أنكرته إلى التجنّي، فإن المغيظ ربما تعدّى في القول فأخبر بما لا يعلم، والله وليّ توفيقك وتسديدك، فأقبل رحمك الله مبسوط اليد في أمرنا، محكّما فيما هويت الحكم فيه، ولا تشمت الأعداء بك وبنا إن شاء الله».