ومائة، وحج مع المنصور في هذه السنة، فأخبر المنصور أن عمرو بن عبيد حاج فدعاه واستدناه وأكرمه وسأله أن يعظه فوعظه، وقضى عمرو بن عبيد حجته وانصرف فمات في طريقه في آخر السّنة، فبلغ المنصور موته فقال:
يرحم الله عمرا هيهات أن يرى مثل عمرو.
وحدثني محمد بن سعد، عن الهيثم بن عدي، قال: لما بايع المنصور للمهدي كتب إلى عمرو بن عبيد كتابا لطيفا يستزيره فيه، وكتب إلى عامله على البصرة في إشخاصه مكرّما، فلما صار إليه بالكوفة ودخل عليه استدناه وقال: كيف كنت بعدي أبا عثمان؟ فقال: أحمد الله وأذمّ عملي، فتغرغرت عينا المنصور ثم قال له: عظني يا أبا عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها، وأعلم أن الأمر الذي صار إليك لو بقي لمن قبلك لم يصل إليك، واعلم أنك لست أول خليفة تموت، فاحذر يا أمير المؤمنين ليلة صبيحتها القيامة، ليلة تتمخض بيوم الفزع الاكبر، إن الله يقول: ﴿أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ* إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ،﴾ إلى قوله:
﴿لَبِالْمِرْصادِ﴾ (١)، ثم قال: هذا تخويف لمن سلك جادتهم واتبع آثارهم، فبكى المنصور ونزل عن فرشه، ثم سكن، فقال: يا أبا عثمان ناولني هذه الدواة، فأبى أن يناوله، فقال: أقسمت لتفعلنّ، فقال: والله لا ناولتك إياها، فقال له المهدي، وكان حاضرا: يحلف عليك أمير المؤمنين فترادّه باليمين؟ فقال: إن أمير المؤمنين أقدر على الكفارة مني، ثم قال: من هذا الفتى يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا ابن أخيك، هذا محمّد المهدي ولي عهد