أسافل ثيابه فجعلها في منطقته، وأخذ بلجام دابة أمير المؤمنين، وقال:
أنشدك الله إلاّ رجعت فإنّك تكفى إن شاء الله، ونودي في أهل السوق والعامة فرموهم بالحجارة وقاتلوهم وفتح باب المدينة فدخل الناس، وجاء خازم على فرس محذوف فحمل عليهم فكشفهم، وقاتل معن يومئذ قتالا لم ير مثله، فكان المنصور يقول: كنت اسمع انّ رجلا يقاتل ألفا فلم أصدق حتى رأيت معنا، فقتلوا عن آخرهم وهم ستمائة. ورمي عثمان بن نهيك بنشابة مرض منها فمات، فصار أبو العباس الطوسي على الحرس مكانه.
وكان أمر الراوندية بالمدينة الهاشمية بالكوفة في سنة تسع وثلاثين ومائة أو في أول سنة أربعين، وجاء الربيع فأخذ بلجام دابة المنصور فقال له معن: تنحّ يا بني فليس هذا من أيامك، ولما صار المنصور إلى القصر دعا بالعشاء وأمسك يده حتى أتي بمعن، وأمر بعض أهل بيته فتزحزح له حتى جلس مكانه، فلما فرغوا من العشاء قال المنصور لعيسى بن علي: يا أبا العباس أسمعت بأسد الرجال، هو والله معن بن زائدة، فقال معن: والله ما قوّي منّتي إلاّ ما رأيت من شجاعتك ولقد وردت وجل القلب حتى أبصرتك، فقال: أخبرهم عني بما رأيت.
وحدثني أبو الحسن المدائني قال: قال أبو جعفر المنصور لمعن بن زائدة: يا أبا الوليد لقد كبرت سنّك، قال: في طاعتك، قال: وإنّ فيك لبقية، قال: هي لك، قال: وإنك لتتجلّد، قال: على أعدائك. قال:
وقال له: أني لأعدّك لأمر جسيم، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الله قد أعدّ لك مني قلبا معقودا بنصيحتك، ويدا مبسوطة بطاعتك، وسيفا مشحوذا على أعدائك، قال: ويقال إن هذا قول جرير بن يزيد بن خالد.