وحدثني العمري، حدثني الهيثم، قال: كان معن مع ابن هبيرة فاستأمن هو وطارق بن قدامة، فلما قتل ابن هبيرة كان معن بالكوفة قد وجّه ببشارة فتح واسط وصلح ابن هبيرة، فأقام في أهله فنجا وقتل طارق، ثم ظهر من مناصحة معن ما قدّم به على جميع القواد، فولاه المنصور مصر، وكان كاتبه محمد بن عبد الله بن المقفع، وكان جوادا حلوا ظريفا أتاه رجل بكتاب مزور لم يجفّ طينه، فقرأه ثم كلم فيه معنا فولاه ولاية سنيّة أفاد سنيّة أفاد فيها مالا، فلما انصرف أتى محمدا فقال له: أني أريد العراق، فأمر له بألف دينار، وقال له: إن كان من رأيك العودة إلينا فافعل، وإن كتب لك صديقنا إلينا كتابا فانتظر أن يجف طينه، ثم قال له: إن حسن ظنك والله بنا أعظم الوسائل لك عندنا، ومات محمد بمصر. وولي معن اليمن فاعطى عطايا لم يعط مثلها أحد، وقدم عليه أعرابي من بكر بن وائل فأنشده:
أصلحك الله قلّ ما بيدي … فما أطيق العيال إذ كثروا
ألجّ دهر انحى بكلكله … فأرسلوني اليك وانتظروا
فقال: لا جرم، لأعجّلنّ أوبتك إليهم، يا غلام أعطه ألف دينار وناقتي الفلانية، ومدحه رجل فقال:
أنت امرؤ همّك المعالي … وفيض معروفك الربيع
وأنت من وائل صميم … كالقلب تحنو له الضلوع
في كل يوم تزيد خيرا … يشيعه عنك ما يشيع
فقال: لأصلنّك صلة شائعة الذكر، وأمر له بمائة ألف درهم.
وحدثني العمري عن غير الهيثم، قال: كان معن يقول: لم أر كالشعر، لا يواتيني جيّده ولا يدعني رديّه.