للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولئن لم يتم فابتغ نفقا في الأرض أو سلمّا في السماء (١)، وكتب المنصور لأبي نخيلة بصلة إلى الريّ، فوجّه عيسى من لحقه فقتله وسلخ وجهه، ويقال إنه قتل بعد رجوعه من الري، وكان المنصور يظهر لعيسى تكرمة وبرّا وإجلالا، فيوضع له نمارق عن يمينه وشماله، ثم يدعى بعيسى فيجلس عن يمينه، ثم يدعى بالمهدي فيجلس عن يساره، فكلمه في العقد للمهدي ألين كلام وأرفقه، فقال له: يا أمير المؤمنين كيف بالأيمان والعهود والمواثيق، ولئن فعلت هذا لتكوننّ حجة لمن ترك الوفاء وخاس العهد، فلما رأى ذلك قدّم المهدي عليه فكان يجلسه عن يمينه.

قالوا: ولما سمع الجند بما يحاول المنصور في أمر المهدي تكلموا فكان عيسى إذا ركب عرض له بما يكره وأسمع الكلام وينغّص، فشكا ذلك إلى المنصور، فقال للمسيّب: تقدّم إلى القواد والجند في أن يمسكوا عن ابن أخي ولا يؤذوه فإنه ثمرة قلبي وجلدة ما بين عينيّ، ودعا بقوم من الحرس فشتمهم فكفّوا، وكانوا محبين للمهدي لما نشأ عليه من العقل والفضل والسخاء.

وكتب المنصور إلى عيسى كتابا يذكر فيه ما قذف الله في قلوب أنصار الدعوة وأهل المشايعة على الحق، وأشربها من محبة المهدي ومودته وتفضيله، حتى صاروا له صاغين ولأعناقهم مادّين، لا يذكرون إلا فضله، ولا يعرفون إلاّ حقه ولا ينوّهون إلاّ باسمه، وأنه لما رأى ذلك علم أنه أمر تولاه الله له ليس للعباد فيه صنع، وأنه لا بد من استصلاحهم ومتابعتهم، ويعلمه أنه يرى له إذا اجتمع الناس على ابن عمه أن يكون أوّل من يبدر إلى


(١) - انظر سورة الأنعام: الآية:٣٥.