للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيعة له، وأن يعرف له ما عرفوه ويؤمل فيه ما أمّلوه. فكتب إليه في جواب ذلك يذكّره الوفاء، ويعلمه أن كثيرا من الناس قد نازعتهم أهواؤهم ودعتهم أنفسهم إلى مثل الذي همّ به في ولده فآثروا الله وحقّه، وكرهوا الغدر وعاره، وسوء عواقبه في الدنيا والآخرة فأمسكوا عن ذلك وكرهوه.

فلما قرأ المنصور كتابه غضب وقرأه على الناس، فعاد القواد والجند لأشدّ ما كانوا عليه، وكان أشدّ الناس في ذلك قولا أسد بن المرزبان، ونصر بن حرب، وعقبة بن سلم، وكانوا يأتون باب عيسى فيمنعون من أن يدخل إليه أحد، ويمشون حوله ويسيرون اذا ركب ويقولون: أنت البقرة التي قال الله: ﴿فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ (١). فشكاهم إلى المنصور فقال: إن هؤلاء قوم قد غلب عليهم حبّ هذا الفتى حتى سيط بدمائهم، واجتمعت عليه آراؤهم، وأنا والله يا بن أخي وحبيب قلبي أخافهم عليك وعلى نفسي فلو قدّمته بين يديك حتى يكون بيني وبينك لكفّوا، وأنا لك ناصح وأنت أعلم.

وذكروا أنه دسّ إلى عيسى شربة سمّ فافلت منها، فقال يحيى بن زياد ابن أبي حزابة البرجمي الشاعر:

أفلتّ من شربة الطبيب كما … أفلت ظبي الصريم من قبره

من قانص يقنص الفريص اذا … ركّب سهم الحتوف في وتره

دافع عنك المليك صولته … بكفّ ليث يرمز في خمره

حين اتانا وفيه شربته … تعرف في سمعه وفي بصره

ازعر قد طار عن مفارقه … وحف أثيث النبات من شعره (٢)


(١) - سورة البقرة - الآية:٧١.
(٢) - انظر الصولي - أشعار أولاد الخلفاء ص ٣٠٩.