ودخل سلم بن قتيبة على عيسى فقال له: أيها الرجل بايع هذا الأمير وقدّمه فإنك لن تخرج من الأمر وأرض عمك، قال: أو ترى أن افعل؟ قال: نعم، قال: فإني أفعل، فأتى سلم المنصور فأعلمه بذلك فسرّ به وعظم له قدر سلم عنده، ودعا المنصور الناس إلى البيعة فتكلم عيسى وسلّم الأمر إلى المهدي وصار بعده، وخطب المنصور فشكر عيسى على ما كان منه وذكر أنه التالي للمهدي عنده في موضعه من قلبه وحاله عنده، ووهب له مالا عظيما وأقطعه قطائع خطيرة نفيسة، وولاّه الأهواز والكوفة وطساسيجها. فلما استخلف أمير المؤمنين المهدي ورأى تولية موسى وهارون ابنيه عهده، قال له المهدي: يا أبا موسى إني آمرك بأمر إن أطعتني فيه سعدت ورشدت بطاعتي، وإن عصيتني استحللت منك ما يستحلّ من العاصي المخالف؛ قال: وما هو؟ قال: إني قد عزمت على تولية موسى وهارون العهد بعدي، فاخلع العهد وأنا أعوضك منه ما هو خير لك من الخلافة ولا سيما مع كراهة القواد والجند لك؛ قال: فإني قد حلفت بصدقة جميع ما أملك وبعتق غلماني وجواريّ أن لا أخلع هذا الأمر حتى يؤتى على نفسي؛ قال له المهدي: فلك بكل درهم اثنان، وبكل مملوك مملوكان، وبكل ضيعة ضيعتان، فرضي وسلّم، وبايع المهدي لموسى، وهارون بعد موسى، ووفى لعيسى بما شرط له، فأعطاه عشرين ألف ألف درهم، وأقطعه وأقطع ولده، فقال مروان بن أبي حفصة: