الخضراء، وذلك باطل، وكان المنصور لا يرى شاربا نبيذا، ولم يعط مغنيا شيئا قط، ولا أجرى عليه رزقا يثبت في ديوان أو يخرج به أمر وكتاب.
وحدّثني المدائني قال: قال أبو عبيدة الكاتب: كان المنصور أعطى الناس في حقّ وأعلمهم بحزم وأشدهم شكيمة على عدو، حدثني عبدوس مولى جعفر بن جعفر، عن جعفر بن جعفر، قال: أقبل المهدي من داره يريد المنصور، والمنصور جالس في الخضراء في قصره بالمدينة ببغداد، فلما وقعت عينه عليه جعل يعوّذه ويدعو له، حتى إذا تبينه غضب وقال: ردّوه ردّوه، أما رأيتم عليه خفا أحمر كأنه من عبيد الروم، أهذا لبس من كان مثله! فألزمه منزله أياما ثم دعا به وعاتبه، قال: وكان أمر المنصور جدا كله.
وحدّثني أبو الحسن المدائني قال: كاتب العبسيون من أهل حيار بني القعقاع (١) ومن معهم محمد بن عبد الله بن حسن وكاتبهم محمّد، وكان ممن كاتبه أبو ذفافة. فلما شخص المنصور إلى بيت المقدس في سنة أربع وخمسين ومائة، وغزا الصائفة وتتبع الأجناد والكور، أقدم أبا ذفافة معه فأصحبه المهدي فخص به، وكان يطلعه على أسراره وأموره، فقال له الربيع: يا أمير المؤمنين قد غلب أبو ذفافة على المهدي ورأيه ما تعلم، فقال: يا بني إن المهدي قدم من الري في زيّ أهل خراسان، فجهدت أن أنقله عن ذلك بكل حيلة يحتال بها في مواجهة وتعريض فلم ينتقل عنه، فلما صحبه أبو ذفافة لم أشعر به ذات يوم إلا وقد طلع عليّ معتما على قلنسوته، وفي رجليه خفّان أسودان، فو الله لو ضمّ إلى ملكي مثلّه ما كان ذلك بأسرّ إليّ من هيئته، وإنما أبو ذفافة