وأسلم قلبا، وأمّا الحبّ فقد مضى عليّ ﵀، وأنت اليوم عند الناس أرجى منه.
المدائني قال: قال معاوية لرجل من اليهود: هل تروي من شعر أبيك شيئا؟ قال: أيّ شعره أردت؟ قال: أبياتا كانت قريش تستحسنها، فأنشده:
هل أضرب الكبش في ملمومة قدما … أم هل سمعت بشرّ كان لي نشرا
أم هل يلومنّني قوم إذا نزلوا … أم هل يقولنّ يوما قائل بسرا
نقريهم الوجه ثمّ البشر يتبعه … لا يمنع العرف منّا قلّ أو كثرا
فقال معاوية: أنا أحقّ بهذا الشعر من أبيك، فقال اليهودي:
لا لعمرو الله لأبي أحقّ بها إذ سبق إليها، فاستلقى معاوية ووضع ساعده على وجهه، فقال الوليد بن عقبة وعبد الرحمن بن أمّ الحكم، اسكت يا بن اليهوديّة، وشتماه، فقال: كفّا عن شتمي وإلاّ شتمت صاحب السرير، فرفع معاوية رأسه ضاحكا ثمّ قال: كفّا عنه يكفّ عنّي، ثمّ قال لليهودي:
إنّكم أهل بيت تجيدون صنعة الهريسة في الجاهليّة، فكيف صنعتكم لها اليوم؟ قال: نحن اليوم يا أمير المؤمنين لها أجود صنعة، قال: فاغد بها عليّ، وأمر له بأربعة آلاف درهم. فخرج، فقال الوليد وعبد الرحمن:
كذّبك وتأمر له بجائزة؟! قال: أنتما أجزتماه بما شتمتماه، فأردت أن أسلّ سخيمته؛ وغدا بالهريسة فأكلها معاوية.
حدثني عبّاس بن هشام الكلبي عن أبيه عن عوانة قال: أغزى معاوية الناس، فحمل اليمانية في البحر، وحمل مضر في البرّ، فقال رجل من صداء متهدّدا لمعاوية: