فلمّا قرأه معاوية قال: يا غلام مزّق الكتاب لئلا يقرأه أهل الشام فيميلوا إليه دوني. قالوا: وانتحل السيّد الحميري هذه الأبيات فأدخلها في شعره.
ورحل حضين بن المنذر إلى معاوية في وفد من أهل العراق، فتأخر وصوله إليه من بينهم، فقال:
وكلّ صغير الشأن يسعى مشمّرا … إذا فتح البوّاب بابك إصبعا
ويبقى الجلوس الماكثون رزانة … حياء إلى أن يفتح الباب أجمعا
فأمر معاوية أن يدخل أوّل الناس.
وذكروا أنّ معاوية أقبل على بني هاشم فقال: يا بني هاشم إنّ خيري لكم ممنوح، وبابي مفتوح، فلا تقطعوا خيري عنكم، ولا تغلقوا بابي دونكم، وقد رأيت أمري وأمركم متفاوتا، ترون أنّكم أحقّ بما في يدي منّي، وأنا أرى أنّي أحقّ به منكم، فإذا أعطيتكم العطيّة فيها قضاء حقوقكم قلتم: أخذنا دون حقّنا وقصّر بنا عن قدرنا، فصرت كالمسلوب لا يحمد على ما أخذ منه، فبئست المنزلة نزلت بها منكم، أعطي فلا أشكر، وأمنع فلا أعذر، ونعمت المنزلة نزلتم بها منّي: إنصاف قائلكم، وإعطاء سائلكم، فقال عبد الله بن عبّاس، والله ما منحتنا خيرك حتّى طلبناه، ولا فتحت لنا بابك حتّى قرعناه، ولئن قطعت عنّا خيرك لله أوسع لنا منك، ولئن أغلقت دوننا بابك لنكفّنّ أنفسنا عنك، فو الله ما أحفيناك في مسألة ولا سألناك باهظة، فأمّا هذا المال فليس لك منه إلا ما لرجل من المسلمين، ولنا في كتاب الله حقّان: حقّ الغنيمة وحقّ الفيء، فالغنيمة ما غلبنا عليه، والفيء ما اجتبيناه، فعلى أيّ وجه خرج ذلك منك أخذناه وحمدنا