للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنظر إليها في السوق فعضّ على لحيته وقال: هذه أطيب نفسا بالموت منك يا مرداس، ما من ميتة أموتها أحبّ إليّ من ميتة الثبجاء كل منية سوى منية الثبجاء ظنون.

ومرّ أبو بلال ببعير قد هنئ فلمّا رأى القطران غشي عليه ثم أفاق ثم تلا ﴿سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ﴾ (١). وألح ابن زياد في طلب الشراة فملأ منهم السجن، وأخذ الناس بسببهم، وحبس أبا بلال، فكان السجان يأذن له في الانصراف إلى منزله بالليل لما رأى من عبادته. وعزم ابن زياد على قتل من في السجن وأخذ الناس بسببهم لوثوب بعضهم على رجل من الحرس وقتله إيّاه، وكان أبو بلال في منزله، فتنكّر حتّى عاد إلى محبسه وقال:

ما كنت لأغدر بصاحبي وقد ائتمني؛ وأصبح ابن زياد فدعا بالخوارج فقتل بعضهم وكلّم في بعض. وكان مرداس ممّن كلّم فيه فصفح عنه وخلّى سبيله. وألحّ ابن زياد في طلب الخوارج بعد ذلك وأخافهم، فعزم أبو بلال على الخروج، ودعا قومه فأجابوه وقال في قصيدة له:

وقد أظهر الجور الولاة وأجمعوا … على ظلم أهل الحقّ بالغدر والكفر

وفيك إلهي إن أردت مغيّر … لكلّ الذي يأتي إلينا بنو صخر

وقال لأصحابه: إنّ الإقامة على الرضى [بما يرى] لذنب، وإنّ تجريد السيف وقتل الناس لعظيم، ولكنّا نخرج من بين أظهرهم ولا نهيج أحدا، ونمنع من قدرنا على منعه من الظلم، فإن أرادنا قوم بظلمهم امتنعنا منهم.


(١) - سورة إبراهيم - الآية:٥٠.