للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وولّى معاوية المغيرة بن شعبة الكوفة، فأقام بها تسع سنين وهو أحسن رجل سيرة وأشدّه حبّا للعافية، غير أنّه لا يدع ذمّ عليّ والوقيعة فيه، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم، وكان معاوية حين أراد توليته قال له: يا مغيرة:

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا … وما علّم الإنسان إلا ليعلما

وقد يجزئ عنك الحلم بغير تعليم، وقد أردت أن أوصيك بأشياء كثيرة، فتركت ذلك اعتمادا على بصرك بما يرضيني ويشدّد سلطاني ويصلح رعيّتي، غير أنّي لا أدع إيصاءك بخصلة: لا تكفكفنّ عن شتم عليّ وذمّه، والترحّم على عثمان والاستغفار له، والعيب لأصحاب عليّ والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم، والإطراء لشيعة عثمان والإدناء لهم والاستماع منهم.

فقال المغيرة: قد جرّبت وجرّبت، وعملت قبلك لغيرك، فلم يذمم لي رفع ولا وضع، وستبلوا فتحمد أو تذمّ، فقال: نحمد إن شاء الله فسمع حجر المغيرة يقول يوما: لعن الله فلانا - يعني عليّا - فإنّه خالف ما في كتابك، وترك سنّة نبيّك، وفرّق الكلمة وهراق الدماء، وقتل ظالما، اللهم العن أشياعه وأتباعه ومحبّيه والمهتدين بهديه والآخذين بأمره، فوثب حجر رضي الله تعالى عنه، فنعر (١) بالمغيرة نعرة سمعت من كلّ جانب من المسجد، وسمعت خارجا منه فقال له: انّك لا تدري بمن تولع، وقد هرمت أيّها الإنسان وحرمت الناس أرزاقهم، وأخّرت عنهم عطاءهم، وإنّما أراد بهذا القول تحريض الناس عليه. وقام مع حجر أكثر من ثلاثين كلّهم يقول مثل قوله ويسمعون المغيرة، فيقولون له: أولعت بذمّ الصالحين وتقريض (٢) المجرمين،


(١) - نعر: صاح وصوت بخيشومه. القاموس.
(٢) - التقريض: المدح والذم. القاموس.