فنزل المغيرة فدخل داره، فعاتبه أصحابه على احتمال حجر وقالوا: انّ معاوية غير محتملك على هذا، فقال: ويحكم إنّي قد قتلته بحلمي عنه، سيأتي بعدي من لا يحتمله فيقتله في أوّل وهلة، وقد قرب أجلي وضعف عملي، ولا أحب أن أبتدئ أهل المصر بقتل خيارهم ووجوههم، فيسعدوا وأشقى، ويعزّ معاوية في الدنيا ويذلّ المغيرة في الآخرة، ولكنّي قابل من محسنهم وعاف عن مسيئهم، وحامد حليمهم وواعظ سفيههم، حتّى يفرق الموت بيني وبينهم.
وكانت ولاية المغيرة في سنة إحدى وأربعين ووفاته في سنة خمسين، فجمعت البصرة والكوفة لزياد، فخطب خطبة قال فيها: إنّا وجدنا هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوّله، من الطاعة الليّنة الشبيهة سريرتها بعلانيتها، وغيبها بشهادتها، وقلوب أهلها بألسنتهم، وقد بلغني أنّ قوما يعيبون الخليفة إرصادا للفتنة، فمهلا مهلا، فإنّ لكم صرعى فليخش كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي، فإنّي آخذ الكبير بالصغير، والقريب بالبعيد، والبريء بالسقيم، والشاهد بالغائب، والمقبل بالمدبر، حتّى تستقيم لي قناتكم، وحتّى يلقى الرجل صاحبه فيقول: يا سعد أنج فقد قتل سعيد.
وخطب أيضا ذات يوم وعليه عمامة حمراء وقد أرسلها فقال: أيّها الناس، أنّ هذه السبئيّة الحائنة - يعني الشيعة - المتحيّرة قد ركبت أعجاز أمور هلك من ركب صدورها، ف ﴿إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ (١) ونزل، فبعث إلى حجر، وقد كان له قبل ذلك ودّا وصديقا فقال له: قد بلغني ما كنت تصنع بالمغيرة وما كان يحتمل منك، وإني والله غير محتملك، والرائد لا يكذب أهله، وأنت الأثير عندي ما لم