للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تبسط لسانا ولا يدا بشيء ممّا أكرهه، وإن فعلت فأقطرت من دمك قطرة استفرغته أجمع، فأرع على نفسك، فخرج حجر من عنده وهو هائب له، وكان زياد يدينه ويكرمه، والشيعة في ذلك تختلف إليه وتسمع منه.

وكان زياد يقيم بالبصرة ستّة أشهر وبالكوفة ستّة أشهر، يصيف بهذه (١) ويشتو بهذه (٢)، ويستخلف على البصرة سمرة بن جندب الفزاري، وعلى الكوفة عمرو بن حريث المخزومي. فلمّا أراد زياد أن يشخص من الكوفة إلى البصرة دعا حجرا فقال له: إنّ غبّ البغي والغيّ وخيم، وقد بلغني أنّك تلقح الفتن، ولو صحّ ذلك عندي لم أبرح حتّى أقتلك، فاتق الله في نفسك وأربع على ظلعك، فو الله لئن أفرغت من دمك قطرة لآتينّ على آخره، وقد أعذر من أنذر، وقد ناديتك وناجيتك، فقال حجر: أبلغت، دون هذا يكفيني أيّها الأمير. وكان حجر وطائفة من أصحابه يجتمعون في المسجد بعد شخوص زياد، ويجتمع الناس إليهم، فيذمّون معاوية ويشتمونه، ويذكرون زيادا فيتنقصونه ويجدبونه (٣) حتّى تعلو أصواتهم بذلك، فأتى عمرو بن حريث المسجد فصعد المنبر وقد اجتمع إليه رؤوس أهل المصر فقال: ما هذه الأصوات العالية والرعة السّيئة؟ فوثب إليه عنق من أصحاب حجر، فضجّوا وشتموا، ودنوا منه فحصبوه حتّى دخل القصر، وكتب إلى زياد مع سنان بن حريث الضبّي بخبر حجر وأصحابه، وأنّه لا يملك من الكوفة معهم إلا دار الإمارة، فلمّا قرأ زياد كتاب عمرو قال: بئس الرجل حجر، ونعم الرجل


(١) - كتب فوقها بالأصل: بالكوفة.
(٢) - كتب فوقها بالأصل: بالبصرة.
(٣) - الجدب: العيب. القاموس.