لا يأتيه إلاّ معذّرا متكارها حتى شتمه الوليد في مجلسه فجلس عنه مروان، فلما جاء نعي معاوية إلى الوليد قرأ عليه كتاب يزيد واستشاره فقال: أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة فإن بايعوا قبلت ذلك منهم وإن ابوه قدّمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بوفاة معاوية، فإنّهم إن علموا بها وثب كلّ امرئ منهم في ناحية، فأظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه.
فقال الوليد: أمّا ابن عمر فإنّي أراه لا يرى القتال ولا يختار أن يلي أمر الناس إلاّ أن يدفع الأمر إليه عفوا.
وأرسل الوليد عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان، وهو إذ ذاك غلام، إلى الحسين وعبد الله بن الزبير يدعوهما فوجدهما جالسين في المسجد وكان إتيانه إيّاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس ولا يأتونه فقال:
أجيبا الأمير، فقالا له: انصرف الآن نأته بعد، ثم أعاد إليهما الرسل وألحّ عليهما، فأمّا الحسين فامتنع بأهل بيته ومن كان على رأيه، وفعل ابن الزبير مثل ذلك، وبعث إليه الحسين أن كفّ حتّى ننظر وتنظروا ونرى وتروا، وبعث ابن الزبير: لا تعجلوا فإنّي آتيكم، فوجّه الوليد موالي له فشتموه وقالوا: يا بن الكاهليّة إن أتيت الأمير وإلاّ قتلناك، فجعل يقول: الآن أجيء الآن أجيء، وأتى جعفر بن الزبير الوليد فقال له: كفّ رحمك الله عن عبد الله فقد أفزعته وذعرته بكثرة رسلك وهو يأتيك غدا إن شاء الله، فصرف الوليد رسله عنه وتحمّل ابن الزبير من ليلته - وهي ليلة السبت لثلاث ليال بقين من رجب سنة ستّين - فأخذ طريق الفرع ومعه أخوه جعفر بن الزبير وتجنّبا الطريق الأعظم، فلما أصبح الوليد طلبه فلم يجده، فقال