الرجل أظهر بيعتك فإنّه لم يبق أحد - إذ هلك الحسين - ينازعك في هذا الأمر، وقد كان ابن الزبير يبايع سرّا على الشورى ويظهر أنّه عائذ بالبيت، فقال لهم: لا تعجلوا، وعمرو بن سعيد الأشدق يومئذ على مكة، وكان شديدا عليه وعلى أصحابه وهو مع ذلك يداري ويرفق، فلما استقرّ عند يزيد بن معاوية ما قد جمع ابن الزبير بمكة وما قيل له في أمر البيعة وإظهارها أعطى الله عهدا ليؤتينّ به في سلسلة، فبعث بسلسلة من فضّة فمرّ بها البريد على الوليد بن عتبة ومروان بالمدينة فأخبرهما الرسول خبر ما قدم له وخبر السلسلة التي معه، فقال مروان:
خذها فليست للعزيز مذلّة … وفيها مقال لامرئ متضعّف
ويقال أنّ مروان بعث بهذا البيت اليه مع عبد العزيز بن مروان، والثبت:
خذها فليست للعزيز مذلّة … وفيها مقال لامرئ متذلّل (١)
ثم مضى البريد من عندهما حتى قدم على ابن الزبير وقد كان كتب إلى ابن الزبير بتمثلّ مروان بالبيت فقال: والله لا أكون أنا المتضعّف، وردّ ذلك البريد ردّا رفيقا.
وعلا أمر ابن الزبير بمكة وكاتبه أهل المدينة.
قال هشام ابن الكلبي فحدثني عوانة قال: أرسل يزيد إلى عبد الله بن الزبير إنّي قد جعلت عليّ نذرا أنّ يؤتى بك في سلسلة، قال: فلا أبرّ الله
(١) - هذا البيت لعباس بن مرداس. انظره في حماسة أبي تمام بشرح الأعلم الشنتمري ط. دمشق ١٩٩٢ ج ١ ص ٢٩٧.