وكلّمت اليمانية معاوية في أمره فأرسل رسولا إلى عبيد الله وأمره بحمل ابن مفرّغ معه، وكان قد أشخصه إلى أخيه عبّاد وهو بسجستان، فردّ وأتي به معاوية فقال في طريقه:
فما إن لعبّاد عليك إمارة … نجوت وهذا تحملين طليق
لعمري لقد نجّاك من هوّة الردى … إمام وحبل للأمير وثيق
سأشكر ما أوليت من فضل نعمة … ومثلي بشكر المنعمين حقيق (١)
فلما دخل على معاوية بكى وقال: ركب منّي ما لم يركب من مسلم على غير حدث ولا جرم، فقال ألست القائل:
ألا أبلغ معاوية بن حرب … مغلغلة من الرجل اليماني
وأنشده أشعارا بلغته عنه، فحلف أنّه لم يقلها فقال: اذهب فقد عفوت عنك وانظر أيّ بلد تحبّ أن تسكنه فاسكنه، فنزل الموصل ثم ارتاح للبصرة فقدمها ودخل على عبيد الله بن زياد فآمنه.
قالوا: ولم يزل عبيد الله على البصرة حتى مات معاوية فأقرّه يزيد بن معاوية على ما ولاه أبوه.
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي عن موسى بن إسماعيل عن عبد الحميد بن عبد الله عن ثابت البناني قال: كنت عند الحسن فقام سائل ضرير البصر فقال: تصدّقوا على من لا قائد له يقوده ولا بصر يهديه، فقال الحسن:
ذاك صاحب هذه الدار - يعني عبيد الله بن زياد - ما كان له من حشمه قائد يقوده إلى خير ولا يشير به عليه ولا كان له بصر يبصر به فينفعه.
(١) - ديوان يزيد بن مفرغ ص ١٧٠ - ١٧٥. مع فوارق كبيرة.