فلم يجبه عبد الملك بشيء مما يسره، فانصرف عن عبد الملك وقصد إلى دمشق حتى دخلها وقال: إن مروان كان ولاني عهده ولذلك قمت بنصره وصنعت ما أنتم عالمون به، فبايعه عبد الملك بن يزيد بن أسد بن كرز - وهو أبو خالد بن عبد الله البجلي ثم القسري - ثم بايعه وجوه أهل دمشق ومالوا إليه لسخائه وجود كفه، وألقى على سور دمشق المسوح والخشب والكرابيس والفرش المحشوة وتهيأ للحصار واستعد له، وبلغ عبد الملك خبره فانكفأ راجعاً يغذ السير ويجد فيه حتى أتى دمشق، وقد أغلق عمرو أبوابها وجعل على شرطه عبد الله بن يزيد، فحاصره عبد الملك ولم يزل يراسله ويمنيه ويعده، وضمن له أن يوليه بيت المال والديوان ويجعل له ولاية الأمر بعده مقدماً على عبد العزيز، وكتب بينه وبينه بما شرطه له كتاباً، فخرج عمرو إليه وهو في عسكره وكان نازلاً في قصر بالمعسكر وأصحابه حوله، فلما دخل عليه بسطه ووانسه ثم قال: يا أبا أمية إني حلفت أن أجعل في عنقك سلسة وأوثقك بجامعة ثم لا بأس عليك، فأوثق وجعل السلسلة في عنقه، فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أخرجني إلى الناس لأقوم فيهم بما تحب وأقول ما تريد، وإنما التمس أن يخرجه من عنده فيخلصه أصحابه وكانوا مطيفين بالقصر، فقال عبد الملك: هيهات أمكراً في السلسلة أبا أمية، ثم قال عبد الملك لبشر بن مروان: قم فاقتله، فأبى، وقال لعبد العزيز: اقتله، فأبى، فأسمعهما وشتمهما وعجزهما، ثم قال لأبي الزعيزعة البربري مولاه: خذه اليك فاقتله، فجره بالسلسلة فقال: ارفق ارفق، وأصاب فمه الأرض وخديه، فقال: فمي فمي فقال عبد الملك: اللهم اخزه فما أحمقه يسأل الرفق ويشكو فمه وهو يُجرّ للقتل، ثم قال لأبي الزعيزعة: لاأنصرفن من الصلاة إلا وقد كفيتنيه، فقتله