للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها، وبعث إليه معاوية بثلاثمائة دينار فقال: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، وإن كانت صلةً فلا حاجة لي فيها، وبعث إليه حبيب بن مسلمة الفهري بمائتي دينار فقال: أما وجدت أهون عليك مني حين تبعث إليّ بمال؟ وردها. وبنى معاوية الخضراء بدمشق فقال: يا معاوية إن كانت هذه الدار من مالك الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف، فسكت معاوية.

وكان أبو ذر يقول: والله لقد حدثت أعمالٌ ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لا أرى حقاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً يُكذبُ. وأثرةً بغير تقى وصالحاً مستاثراً عليه. فقال حبيب بن مسلمة لمعاوية: إن أبا ذر مفسد عليك الشام فتدارك أهله إن كانت به حاجة، فكتب معاوية إلى عثمان فيه، فكتب عثمان إلى معاوية: أما بعد فاحمل جُندباً إليّ على أغلظ مركب وأوعره، فوجه معاوية من سار به الليل والنهار، فلما قدم أبو ذر المدينة جعل يقول: ستعمل الصبيان ويحمي الحمى ويقرب أولاد الطلقاء، فبعث إليه عثمان الحق بأي أرض شئت، فقال: بمكة، فقال: لا، قال: فبيت المقدس، قال: لا، قال: فبأحد المصرين (١)، قال: لا، ولكني مسيرك إلى الربذة (٢)، فسيره إليها فلم يزل بها حتى مات.


(١) أي الكوفة والبصرة.
(٢) كانت الربذة محطة هامة على طريق الكوفة - المدينة المنورة.