ينتصف منه، ثم إنه بيّتهم فقتل منهم بشرا، وأصاب منهم خيلا وسلاحا وقاتلوه من الغد، فجرح ابن الحرّ وانهزم أصحابه، فلم يبق إلاّ في خمسين من أهل الحفاظ وحجز بينهم الليل، فخرج من تكريت، وأتى ناحية من الكوفة، فبعث إليه المصعب جماعة فيهم حجّار بن أبجر فأصيب صاحب راية ابن الحرّ، فدفعها إلى أحمر طيّئ، ومضى إلى نفّر فأخذ ما كان بها من مال، ويقال: إنّ المصعب بعث إليه عمر بن عبيد الله بن معمر فقاتله فضربه في وجهه ضربة لم يزل أثرها باقيا حتى مات، وليس ذلك بثبت، وقال بعضهم وأحسبه الهيثم بن عديّ: بعث به حين دخل البصرة بعد الجفرة، وقبل توليته فارس.
ومضى ابن الحرّ إلى عبد الملك، ومعه جماعة من أصحابه، فلما قدم عليه أذن له وأجلسه معه على السرير، وأمر له بمائة ألف درهم، ولكلّ رجل من أصحابه الذين دخلوا معه بمال، فقال له ابن الحرّ: إنّي أتيتك لتوجه معي جندا إلى مصعب لأحاربه، فأمر له بمائة ألف درهم أخرى، ولأصحابه بمال فرّقه عليهم، وقال: سر وأجمع من قدرت عليهم وأنا ممدّك بالخيل والرجال، فسار ابن الحرّ فنزل بقرية يقال لها بيت فارط إلى جانب الأنبار، وهي على شاطئ الفرات، فاستأذنه أصحابه في دخول الكوفة، فأذن لهم وأمرهم أن يؤذنوا من كان بالكوفة من أصحابهم ليسيروا إليه، وبلغ خبره عبيد الله بن عباس السلمي، فاغتنم الفرصة فسأل الحارث بن عبيد الله بن أبي ربيعة القباع، وكان خليفة مصعب على الكوفة يومئذ، والمصعب بالبصرة، أن يبعثه إلى ابن الحرّ، وأخبره بمكانه وتفرّق أصحابه، فسار إليه في خيل كثيفة من قيس، فنزل على حاتم بن النعمان الباهلي وهو