نازل في قصر عند كويفة ابن عمر بين كوثا وبزيقيا (١)، واستمدّه فأمدّه بخمسمائة من قيس، فسار حتى لقي ابن الحرّ، وهو في عدّة يسيرة من أصحابه، فقالوا: هذا جيش لا طاقة لنا به، فقال: ما كنت لأدعهم، وحمل عليهم حملات وهو يقول:
يا لك يوم فات فيه نهبي … وغاب عنّي ثقتي وصحبي
ثم عطفوا عليه وكشفوا أصحابه، وحاولوا أن يأسروه، فقال لأصحابه:
انصرفوا سالمين، ودعوني أقتل، فقالوا: والله لا نسلمك، فقاتلوا طويلا حتى أثخنوا بالجراح، ثم أذن لهم بالذهاب فذهبوا ولم يعرض لهم، وجعل يقاتل وحده، فحمل عليه رجل من باهلة يكنى أبا كدينة فطعنه وجعلوا يرمونه ولا يدنون منه، وجعل يقول: هذه نبل أم مغازل، فلما أثخنته الجراح خلص إلى معبر فدخله ولم يدخل فرسه فنسف عرقوبة ومضى به الملاح حتى توسط به الفرات، فأشرفت عليه الخيل وفي المعبر نبيط، فقالوا لهم: إنّ الذي في السفينة بغية أمير المؤمنين والأمير، فإن فاتكم قتلناكم، فوثب ابن الحرّ ليقع في الماء فوثب إليه رجل عظيم طوال فقبض على عضديه وجراحاته تشخب دما وضربه الآخرون بالمجاذيف، فلما رأى ابن الحرّ أنه يمال به نحو القيسيّة قبض على الذي كان يمنعه، وأخذ بعضده فعالجه حتى سقطا جميعا إلى الفرات فغرقا، فقال أبو كدينة الباهلي: إنّي لأنظر إلى شيخ على شاطئ الفرات يصيح ويبكي وينتف لحيته ويقول: يا بختيار، يا بختيار، فقلنا: ما لك يا شيخ، ما لك يا شيخ؟ فقال: ابني بختيار،
(١) قرية قرب حلة بني مزيد من أعمال الكوفة. معجم البلدان.