وحصر الحجاج ابن الزبير في المسجد، وألحّ عليه بالمنجنيق، وصيّر على رماتها رجلا من خثعم فجعل يرمي البيت وهو يقول:
خطّارة مثل الفنيق المزبد … نرمي بها عوّاذ هذا المسجد
وقد كان رماة المنجنيق يقولون مثل هذا في حصار حصين بن نمير أيّام يزيد بن معاوية.
وقال الواقدي: كتب الحجاج من الطائف إلى عبد الملك يسأله المدد ويستأذنه في حصار ابن الزبير ودخول الحرم ويعلمه أنّه قد روخي له في خناقه، وأنّه في فسحة من أمره، فأذن له في ذلك، وكتب إلى طارق بن عمرو يأمره باللحاق به، فقدم المدينة في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين، فخرج عامل ابن الزبير عنها، وصيّر عليها طارق بن عمرو رجلا من أهل الشام يقال له ثعلبة، فكان ثعلبة ينكت المخّ على منبر رسول الله ﷺ ويأكله، ويأكل التمر على المنبر ليغيظ بذلك أهل المدينة، وكان مع ذلك شديدا على أهل الريبة، فأمنت الطرق وكان أصحابه يتعبّثون فيضربهم بالسياط، وأخذ قوما تناولوا من شعير لرجل قد دقّ شعيره فضرب كل امرئ منهم خمسمائة سوط، وأتي برجل اغتصب امرأة نفسها فضربه بالسياط حتى مات، ثم صلبه على باب المرأة، وقال جابر بن عبد الله لما رأى صنيعه على منبر رسول الله ﷺ: رحم الله عثمان أنكروا من أمره ما قد رأوا أعظم منه أضعافا، وإن كانت سيرة طارق صالحة.
قال: وكانت العير تحمل إلى أهل الشام من عند عبد الملك السويق والكعك والدقيق، لا تفتر حتى أخصبوا.