أعداءك وبذل مهجة نفسه لرجاء ثوابك فلا تخيّبه، اللهم أظهره وانصره، اللهم ارحم طول ذلك السجود والنحيب، وذلك الظمأ في الهواجر، وما أقول هذا القول تزكية له، ولكنّه الذي أعلمه منه وأنت أعلم بسريرته وعلانيته، اللهم إنّه كان برّا بوالديه فاشكر ذلك له، فلما كان يوم الثلاثاء، وهو اليوم الذي قتل فيه، جاء إلى امّه وعليه درعه ومغفره فودّعها وقبّل يدها فقالت: لا تبعد إلاّ من النار، وقال يا أمّه خذلني الناس إلاّ ولدي وأهل بيتي، وكان الحجاج قد بسط الأمان للناس، فاستأمن إليه خلق واعتزلوا ابن الزبير.
قالوا: وخرج ابن الزبير من عند أمّه فقاتل أشدّ قتال وضرب رجلا من أهل الشام فقال: خذها وأنا ابن الحواريّ، فقتله، وضرب آخر وكان حبشيا فقطع يده وقال: اصبر أبا حممه، اصبر ابن حام.
وقال أبو مخنف: جعل يقاتل يومئذ قتالا لم ير مثله وهو يقول:
صبرا عفاق إنّه شر باق قبلك سنّ الناس ضرب الأعناق قد قامت الحرب بنا على ساق المدائني عن يزيد بن عياض عن صالح بن كيسان قال: برز عبد الله بن الزبير في اليوم الذي قتل فيه فدمي وهو يقول:
لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا … ولكن على أقدامنا يقطر الدما
وهذا البيت لخالد بن الأعلم. حليف بني مخزوم، وهو عقيليّ، وكان أسر يوم بدر، فقدم في فدائه عكرمة بن أبي جهل، وقال بعضهم: هو لأبي عزّة الجمحي.