قالوا: ورأى الحجاج الناس يخيمون عن ابن الزبير، فغضب وترجّل، وأقبل يسوق الناس ويصمد بهم صمد صاحب علم ابن الزبير، وهو بين يديه فتقدّم ابن الزبير صاحب علمه، وضاربهم فانكشفوا، وعرّج فصلّى ركعتين عند المقام فحملوا على صاحب علمه فقتلوه عند باب بني شيبة، وصار العلم في أيدي أصحاب الحجاج فلما فرغ من صلاته تقدّم فقاتل بغير علم، والحجاج يذمر الناس، وقد شحنت الأبواب ولم يتخلّف من أهل عسكر الحجاج أحد من أصحابه وأصحاب طارق، فأصابت ابن الزبير رمية فسقط، وصاحت امرأة: وا أمير المؤمنيناه، وتعاووا عليه فقتلوه.
وقال أبو مخنف وغيره: أتى عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب ابن الزبير ليلة الثلاثاء فعرض عليه أن يخرج إلى الحجاج على أن يأخذ له أمانا، وقال:
خرجت منكرا للظلم، متّبعا لهدي الصالحين، وقد قتل على ذلك قوم معي مستبصرين، فإن قتلت فإنّي سأجتمع وقاتلي بين يدي الحكم العدل، فلما أصبح سمع الحجاج يقول: خذوا الأبواب لا يهرب، فقال: لقد ظنّ ابن الخبيثة بي ظنه بأبيه ونفسه يوم فرّ من الحنتف بن السجف.
وقال أبو مخنف في روايته: دخل ابن الزبير على أمّه فقبّل يدها وعانقها، وكانت عمياء، فلما مسّت الدرع قالت: هذه تثقلك فنزعها وشمّر ثيابه وأدرج كمّه، فقالت: والله ما أحبّ أن أموت يومي هذا حتى أعلم إلى ما يصير أمرك إليه من الظفر الذي أرجوه، أو الأخرى، فأحتسبك وتمض لسبيلك على بصيرتك ونيّتك.